إن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي يعتبر أحد أهم البرامج الوطنية التي وضعت في هذا العهد الزاهر الميمون .. عهد الملك الصالح عبدالله بن عبدالعزيز الذي أدرك أهمية العلم في بعث الحضارة الإنسانية وتقدمها ورقيها فعمل على الاهتمام بتهيئة كافة سبل التعليم المتميز لأبناء وبنات الوطن وإعدادهم لمستقبل مشرق واعد. لذا فقد تم ابتعاث عشرات الآلاف من الطلاب والطالبات للدول المتقدمة في أمريكا وكندا واستراليا وبريطانيا وسنغافورة ... وغيرها من الدول وفي كافة التخصصات وكافة الدرجات العلمية . وقد أثبت هؤلاء المبتعثون كفاءة وتميزاً علمياً عالياً فحصل بعضهم على براءات اختراعات في مجالات علمية متنوعة سجلت كإنجازات عالمية نفخر بها ، فضلا عن تمسك غالبيتهم بأ خلاقهم وقيمهم الإسلامية فرفعوا اسم الوطن عالياً خفاقاً في أرجاء المعمورة بكفاءتهم وتميزهم. وها هي طلائع المبتعثين تعود للوطن ... تعود بآمال كبيرة تعانق عنان السماء ... وأحلام تنسج المجد بخيوط الهمة والعطاء لرفعة الوطن .. تعود بأمنيات الاستقرار والحياة الكريمة والعيش الرغيد .. وهذا حق المواطن الذي أفنى سنوات عمره في الغربة والدراسة والعلم والجد والاستذكار.... ولكن للأسف لا تلبث هذه الأمنيات أن تصطدم بواقع اختل توازنه من ثلة تربعت على عرش السلطة على حساب حقوق الكثيرين ومنهم المبتعثون ، الذين لا يلبثون أن يصابوا بالإحباط وخيبة الأمل لعدم توفر المكانة الاجتماعية التي كانوا يحلمون بها من خلال الوظائف اللائقة بما حصلوا عليه من شهادات علمية عليا . بل إن بعضهم – وللأسف- قد التحق بشلة الحافزية)!! فقد تبخرت أحلامهم في ظل الفساد والبيروقراطية والأنانية. والمراقب لأحوالنا ووضعنا الراهن يدرك أنه لم تكن هناك أصلاً خطة استراتيجية لاستيعاب هؤلاء المبتعثين في القطاعين الحكومي والخاص . بل إن وزارة التعليم العالي بجلالة قدرها لم تستطع حتى استيعاب هذه الكوادر الوطنية الغالية على قلوبنا في جامعاتها وتوفير الوظائف الأكاديمية لحملة الدكتوراه منهم. وهي لا زالت تعتمد -في الغالب - على العنصر الأجنبي (المشارك) و تعلن -وللتمويه فقط-في كافة الصحف عن الاحتياج لهم ، وهم الذين أصبحوا يتحكمون في مصائر الوظائف في جامعاتنا ويمثلون أكثر من 54% من الكادر التعليمي ، في حين يقصى أبناء الوطن ؟!! وهنا لابد ان نتساءل: أين الوظائف للعائدين للتو وهم على وظيفة أستاذ مساعد ؟ لماذا يبقى هؤلاء بمسمى (متعاون) وبدون مرتب شهري ولعدة شهور ؟؟؟ فكيف سيؤمن هؤلاء قوتهم وقوت عيالهم ؟!... هذا فضلا ًعن متطلبات الحياة الأخرى الصعبة ، كالسكن والسيارة وغيرها من أساسيات العيش الكريم. كما أن الكيل بمكيالين وارد في مثل هذه الحالات (فالمتعاون) إذا كان أحد أقارب معالي مدير الجامعة او أحد وكلاء الجامعة فإنه يتحول بقدرة قادر إلى أستاذ منتظم وتصرف مستحقاته كغيره من الأساتذة والجهابذة !!! نعم هذه هي حقوق المواطن التي تهدر على يد ثلة ممن لا يملكون من البعد النظري والأخلاقي سوى بضعة سنتيمترات حيث عجزت رؤيتهم عن إدراك معاناة أولئك وحقهم في المواطنة. ولكن أين الرأس الكبير من هذا كله ؟؟ .. أين وزارة التخطيط من إعداد خطط إستراتيجية لاستيعاب كل أولئك المبتعثين؟ أليس من المفروض القيام بدراسات تقوم على جمع بيانات دقيقة عن احتياجات القطاعين الحكومي والخاص من الكوادر البشرية المتخصصة في المجالات المتنوعة لتحقيق خطط التنمية العشرية ، حيث تحدد الوظائف للمبتعثين وبما يناسب تخصصاتهم وبما يحقق احتياجات سوق العمل؟؟؟ إن هؤلاء المبتعثين هم ثروة الوطن الغالية التي يعول عليها في بناء الوطن فإذا لم تستطع خطط التنمية استيعابهم وتوفير وظائف لهم إذن فلا داعي للاستمرار في برنامج الابتعاث لأن ذلك يعني هدراً اقتصادياً وتعليمياً وبشرياً . بل إن ذلك يعني مزيداً من المحبطين والمقهورين والمظلومين ، الذين ربما يتحولون مع الزمن إلى أعداء في وجه الظلم والطغيان. كما أنه لابد من التأكيد انه ذا كانت هجرة العقول في كثير من الدول العربية قد أخذت طريقها قبل الربيع العربي بزمن ، لأنها وجدت في الهجرة ما يلبي طموحها ويحترم عقليتها ويحقق إنسانيتها وحقها في الحياة بل يُشبع نهمها في التمييز والإبداع فإننا نخشى أن تمتد هذه العدوى لنا وعندها لا ينفع العض على الأصابع ندماً وحسرة. إن الاهتمام بهذه الثروة الوطنية أمر يتطلب العمل السريع لوضع خطط استراتيجية لاستيعاب هؤلاء ... وكما أمر خادم الحرمين الشريفين بتوفير الحياة الكريمة للمواطن السعودي فهو العنصر الذي يعول عليه في بناء الوطن وهو أداة التنمية وهدفها ... فهل نعرف كيف نستغل هذه الثروة الوطنية ؟!.