الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده: أتذكر في الأسبوع الأول من عملي في إندونيسيا أنني التقيت بشخص كبير السن بأحد المجالس في جاكرتا فشرفني صاحب المجلس بالتعريف به فقال: هذا السفير السعودي الأسبق لدى إندونيسيا الأستاذ / بكر خميس / ثم قال لسعادته: وهذا الملحق الديني الجديد بالسفارة، فرحب بي سعادته وكان متهيئا للخروج فقال لي : يا بني نصيحتي لك وأنا لا أعرفك إن كنت تريد أن تعمل فقط من خلال كرسي العمل ولا تنزل للميدان فأنصحك أن تعود لبلادنا وتبتعد عن الغربة لأنها صعبة وكثير من الموظفين يريدون أن يسدوا هذه الخانة وإن كنت تريد العمل من خلال الميدان خدمة للدين ثم لبلادنا بلاد الحرمين التي يسعى قادتها للتواصل مع أبناء العالم الإسلامي ويبذلون جميع الإمكانات لذلك ويكون جلوسك بالكرسي للاستراحة فقط لتعاود العمل الميداني فأبشر يا بني بالأجر من الله ثم العون من قادة بلادنا ومسؤوليها وبلاد إندونيسيا بأمس الحاجة لمثل ذلك. كانت هذه أول نصيحة أتشرف بها بعد وصولي للعمل وهو أول لقاء بسعادته لأني لم ألتق به إلا بعد فترة طويلة لمدة وجيزة وبعدها لم ألتق به مرة أخرى حتى الآن ولكني سمعت عن أعماله الجليلة الشيء الكثير فلا أكاد أذهب لمنطقة إلا وله أعمال وأياد بيضاء وناصعة فأدركت معنى نصيحته وخاصة قوله إن قادة بلادنا يحرصون على التواصل مع أبناء العالم الإسلامي ويبذلون جميع الإمكانات لذلك. فتمنيت أشد الأمنيات أن تدون الأعمال المشرفة لبلادنا أيام فترة عمل سعادته الممتدة من 1976-1982 ، وكان هذا الهاجس يراودني كثيرا، فبفضل من الله تشرفت بالاتصال بسعادته للاستفسار منه عن مستشفى الملك فيصل بمدينة مكاسار في سولاويسي الجنوبية فوجدت عنده الإجابة الدقيقة رغم كبر سنه الذي أظن أنه قارب الثمانين عاما ولمست من حديثه أن لديه توثيقاً دقيقاً لجميع الأعمال التي قام بها فطلبت منه تزويدي بذلك وبعد إلحاح قام مشكورا بتزويدي بها فوجدت ما يسر الناظرين حيث أرسل لي بيانات دقيقة تحتوي على: 1. اسم الجهات المستفيدة وعنوانها باللاتيني وقد بلغت مئات المساعدات. 2. المبلغ الذي تم صرفه وقد جاوز ملايين الدولارات. 3. تاريخ تسليم المساعدة ومصدرها. 4. رقم الملف الأرشيفي والذي حفظ به جميع أوراق المساعدة. 5. لاحظت التنوع بالأعمال والجهود لم تقتصر على جانب واحد فمنها التعليمية والدعوية والصحية كما لمست التنوع بالجهات المستفيدة. فحمدت الله جل وعلا على هذا التوثيق للمساعدات الهائلة التي قدمتها بلادنا وتمنيت أن يتم تدوين مثل هذه الأعمال الناصعة التي قامت بها بلادنا في بلاد الأرخبيل على أيدي رجال مخلصين كانت لهم جهود عظيمة أيام فترة عملهم منهم أصحاب السعادة السفراء وكذلك فضيلة الشيخ الدكتور / عبدالعزيز بن عبدالله العمار / الذي استلم معهد العلوم الإسلامية والعربية في جاكرتا والذي أعتبره من الموسوعات المعرفية بإندونيسيا ومن الأشخاص النوادر في ذلك بعلاقاته الوثيقة بالرعيل الأول من الجيل الدعوي بإندونيسيا بعد الاستقلال كما أن له جهوداً عظيمة في الدعوة والتعليم والأعمال الخيرية وكذلك الشيخ / إبراهيم بن محمد الحسين / الذي استلم معهد العلوم الإسلامية والعربية بعد فضيلة الشيخ الدكتور / عبدالعزيز العمار /، فالمذكور له جهود عظيمة تذكر وتشكر فكانوا بحق رجالاً مثلوا بلادنا خير تمثيل. وفي الختام أتمنى من الباحثين في مجال توثيق العمل الخيري والدعوي استغلال الفرصة بتدوين المعلومات الهائلة من ذاكرة الإخوة الأفاضل الذين أشرت إليهم لتعرف الأيادي الناصعة لبلادنا كما أتمنى من وزارة الثقافة والإعلام تخصيص برنامج يسلط به الضوء على أبرز وأهم جهودات بلادنا بالعالم الإسلامي وخاصة التي مر عليها زمن من الوقت فنسيت بسبب تقادم عهدها أو لأنه لم يسلط عليها الضوء خلال فترة إنفاذها وهي مازالت قائمة وشاهدة على عظيم البذل والعطاء لبلاد الخير بلاد الحرمين، فمن تلك المشاريع مستشفى الملك فيصل بمكاسار سولاويسي ومسجد الملك فيصل في باكستان وفي موريتانيا وغيرها من المشاريع الجبارة التي نفذت في عهد الملك خالد والملك فهد رحمهما الله والمشاريع العظيمة التي يتواصل عطاؤها في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله الذين ساروا على نهج والدهم المؤسس الملك عبدالعزيز – رحمه الله – الذي كان له الأثر الحميد في دعم ومساندة مؤسسي كبرى الجمعيات الإسلامية ببلاد الأرخبيل كجمعية نهضة العلماء والمحمدية والإرشاد، وأن يتم عبر هذا البرنامج إجراء لقاءات مع أبرز خريجي الجامعات السعودية من أبناء تلك الدول وكذلك لقاءات مع أبرز السفراء والأشخاص الذين مثلوا بلادنا فيها ليعرف عظيم الجهود ويزداد الشعور الإسلامي لجهود بلاد الحرمين إنها دعوة أوجهها لمسؤولي وزارة الثقافة والإعلام لعلها تجد النور وإن مقالي قصدت به نوعا من الوفاء لمثل هذا السفير المبارك الذي يستحق كل تحية وتقدير. هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وسلم.