أحيانا الصمت ابلغ من الكلام ولا يمكن للمفردات أن تعبر عن مأساتنا، والعبارات لا تستوعب فاجعتنا. لن أتحدث عن السيرة العملية لسموه رحمه الله التي امتدت أكثر من (60) عاماً وهو عضيد الملوك ومستشارهم ومرجعهم فهي موثقة ويعلمها القاصي والداني ولكنني سأتحدث عن سجاياه و مآثره الإنسانية التي تميز بها وتميزت به. أحيانا الصمت ابلغ من الكلام ولا يمكن للمفردات أن تعبر عن مأساتنا، والعبارات لا تستوعب فاجعتنا.كان سلطان حضوراً.. وبشاشة وجه وابتسامته على محياه تشعرك بأنه أقرب الناس إليك عندما ترى ذلك الوجه المبتسم دائماً تنسى كل ما يحيط بك من ظروف وتقلبات ينسيك خوفك على وطنك وأبنائك وماضيك وحاضرك ومستقبلك وينسيك ما يدور حولك من حروب وغلاء ووباء وكل ما يعكر صفوك ويشتت تفكيرك كانت له يداً توقف الظالم عن ظلمة وتحمي بعد الله عز وجل المقدسات وتراب وحجر وشجر وبشر هذا الوطن الذي أخذ من سلطان كل وقته وصحته إلى لحظة الفراق وهو يتواصل ويتفاعل ويسأل ويوجه رحمه الله كانت له يد تنفق سراً وعلانية فهذا طفل صغير يحمله ويداعبه موجهاً من حوله انه الأب لهذا الطفل بدلاً من أبويه اللذين فقدهما وعائلاً لمن في مثل حالته رجلاً في هامة وقامة سلطان بن عبدالعزيز عندما ينحني على جبين جندي أصيب اثناء أداء واجبة بكل تواضع ورحمة ومودة شاكراً إياه على ما بذل وسائلاً عن حاجته ومحققاً له ما أراد بتواضع الكبار وأخلاق الكرماء وكان له قلب كبير يتسع للجميع اللهم أنني أذكر محاسن عبدك وأن عبدك وابن أمتك سلطان بن عبدالعزيز وألا أزكيه عليك سبحانك.اذكر في حرب تحرير الكويت (1991م) حيث كنت مديراً للمستشفى الميداني السعودي المتنقل بدولة الكويت وقام سموه وابنه الفريق الركن الأمير خالد بن سلطان، قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات آنذاك بزيارتنا في مواقعنا المتقدمة لرفع معنوياتنا وابلغنا بأنه لم يكن يتمنى هذه المعركة وحاول تجنبها أو أن تحل هذه بشتى الحلول السلمية دون اللجوء لهذه المعركة (عاصفة الصحراء) حيث أنه كان محب للسلام.. واذكر أنه في ذلك اليوم تناول وجبة الغداء معنا بكل تواضع وأريحية فكان يوماً عظيماً لنا جميعاً، كان وساماً على صدورنا بشرف وجود سموه الكريم معنا، فكان دائما يركز ويحرص على بناء الإنسان قبل الاله.فكيف لمثل هذا الإنسان أن ينسى وهو له في كل نفس له منزلة وفي كل منزل له مكانه وفي كل ذاكرة موقف مشرف .. في كل مكان وشارع ومسجد وجمعية خيرية ومنشأة صحية أو تعليمية أو خدمية.. ليس في بلادنا فقط .. بل امتدت أعماله إلى أرجاء العالم أجمع كيف لمثل هذا الإنسان أن ينسى وقد احترمه العدو قبل الصديق وأحس بفقده البعيد قبل القريب وكان حدث انتقاله إلى جوار ربة حديث العالم للأيام وسيبقى من ينعي ويعزي نفسه برحيله لسنين لايعلم مداها إلا الله. واخيراً رسالتي إلى كل من كان لهذا الصرح يد بيضاء عليه أقول انك لا تحتاج إلى تنزيل عزاء في صحيفة أو أي وسيلة إعلامية لتعبر عن حزنك على فقد هذا الإنسان ولكن باستطاعتك ان ترفع يديك في جوف الليل بعد الانتهاء من فريضة أو نافلة و تبتهل بالدعاء إلى الله العلي القدير الذي لايحتاج إلى وسيلة تعبير أو اتصال ويسأله أن يرحم سلطان ويغفر له وينزله الفردوس الأعلى وأن يجبر مصابنا بفقده ويحفظ لنا خادم الحرمين الشريفين ويبارك لنا في حياته وصحته ويمتعنا به وقيادتنا الرشيدة, وان يحفظ لنا هذا البلد آمناً مطمئناً وأن يرزق أهلة من الثمرات وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.رسالة أخرى منحنا إياها أميرنا المحبوب .. فبعد وفاة الامير سلطان اثبت لحمة هذه الأسرة وحب الشعب لهم رأينا كيف الملك عبد الله أبى إلا ليقابل سلطان في المطار رأيناه كيف أصر على حضور الصلاة على ولي عهده الأمين مع إصرار إخوانه له بالراحة وعدم تحمل عناء الواجب رأينا حجم الفاجعة على محيا الأمير نايف وهو يحمل النعش مع أخيه الأمير سلمان والأمير خالد بن سلطان وإخوانه الذين تركوا أسرهم للبقاء بجانب سلطان في رحلة علاجه الطويلة، رأينا الشعب بأكمله مواطنين ومواطنات وهم يتبادلون التعازي داخل المنازل وخارجها.. إنها اللحمة الوطنية لتؤكد للعالم أجمع أن علاقة القيادة بالمواطنين في المملكة منذ عهد المؤسس، هي علاقة العائلة الواحدة، لقد أثبت شعب المملكة أنه في قمة التلاحم مع قيادته، أمة واحدة متمسكون بدستورهم كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، إنه وطنٌ كَبُرَ بالحب وعاش بالحب وكل مَن فيه لا يفرّط فيه، هذا ما ينبغي ألا ينساه الأبناء والأحفاد من أبناء الأسرة المالكة إلى أبناء الوطن .. زرعوا الأرض حباً وخيراً فحصدوه.. اللهم أجمعهم على حبك وحب الوطن.اللهم ارحم سلطان الخير وصبرنا على فراق ابتسامته الدائمة. اللهم اجعل قبره روضه من رياض الجنة ووسع مدخله. واجعله مبتسما للقائك كما كان مبتسما في دنياه ورسم البسمة على شفاه كل محتاج. عزائي الوحيد إن من خلّف خالد وإخوانه ما مات. للتواصل: [email protected]