ربما تثلج هذه السطور قلوب الزوجات.. ربما تطفئ قليلاً من تلك النيران المشتعلة والمتأججة في النفوس.. ربما تلطف بعض الشيء من سخونة ذلك الاحتجاج النسائي اليومي الذي يرتطم صداه على جدران وحوائط بيت الزوجية دون أن يجد إجابة شافية. زوجة تضع يدها على خدها في انتظار زوج لايأتي إلى بيته سوى لدقائق معدودة. مجرد نصف ساعة في اليوم! أو ساعات قليلة.وأخرى تعاني الوحدة. ينهشها الملل وتنالها الكآبة بين أربعة جدران، وثالثة تربي ابناءها لوحدها وتجدف بساعديها مركب الأسرة الذي يبحر في أمواج الحياة المتلاطمة. البيت صار فندقاً!! يتناول فيه الزوج طعامه.. يأخذ حمامه.. يستبدل ملابسه.. يستريح في فراشه قليلاً ليعاود مرة أخرى الخروج.. وحينما يتذكر فجأة دوره كأب ويشعر برهة من الزمن بتأنيب الضمير، يسأل زوجته لاهثاً وبشكل عابر (وش أخبار العيال)؟. ثم يردف وكأنه يجيب على تساؤله (كله تمام). وأخيراً يضيف بشيء من الاهتمام المصطنع (تبون شيء ناقصكم شيء)؟ أو في أحيان أخرى يسأل وهو يفتح باب البيت ويهرع إلى الخارج محتاجين شيء أجيبه لكم وأنا جاي؟.. وقبل أن يتلقى الإجابة يصفق الباب خلفه وتتسارع قدماه قافزة الدرج في نشاط وحيوية. تلك كانت صورة للزوج الهارب من بيته. الزوج الضيف الذي لايكاد يعرف شيئاً عن أحوال أسرته.. الزوج الزائر الذي يتفقد أرجاء الغرف والحجرات ويستفسر عن (أخبار) أبنائه وبناته تماماً مثل زائر غريب عن البيت!. أتراني قد بالغت في وصف صورة الزوج الضيف الذي يمكث نصف ساعة فقط في بيته؟ أم قد أصبت الهدف في الصميم!. نعم أن تلك الصورة سوف تغضب الأزواج وسوف تثير أيضاً الخلاف والشجار ولكن كما يقولون لايصح إلا الصحيح.. الأب ليس مجرد حافظة تزخر بالنقود والأموال.. والزوج ليس رجلاً يحقق فقط الأمان المادي للزوجة.. إنه أكثر من ذلك بكثير.. إنه ضلع أساسي في مثلث الأسرة.. ذلك المثلث الذي لاتستقيم أحواله إلا بأضلاعه الثلاثة: الأب، الأم، الأبناء إنه أولاً وأخيراً زوج يغمر زوجته بحنانه وحبه واهتمامه.. أب يرعى أبناءه يسهر لراحتهم ويسعد لرؤية طرحه الأخضر الندي الذي ينمو ويترعرع أمام عينيه. (الندوة) طرحت هذه القضية على عدد من شرائح المجتمع فكانت هذه الآراء المتباينة.. أراه مصادفة! أم مصطفى تقول أعيش في خضم المجتمع المخملي الناعم فأنا لا أكاد أراه ولا أقابله سوى مصادفة في البيت.. ربما وهو يتناول بعض الكلمات العابرة. يسألني عن أحوالي وأخبار الأولاد.. وفي أحيان أخرى يترك لي نقوداً ويستفسر عما إذا كنت احتاج إلى المزيد.. ماذا أقول!. إنه لايفهم ولا يقدر أنني احتاجه هو معنا في البيت مع الأولاد في حياتنا.. نعم لدي كل ما تحلم به أي امرأة في هذه الدنيا، ولكن ليس لدي زوج يشاركني عالمي وحياتي!. التواصل بالمحمول وتقول أم عمر والمرارة تسكن ملامح وجهها والألم يعتصرها وبصوت حزين (تصوروا لولا اختراع اسمه المحمول لما تمكنت يوماً من أن أتواصل مع زوجي ولما استطعت أن اعرف أخباره ومشاريعه.. في السابق كنا نتبادل الأحاديث في فترات رغم أنها قصيرة لكنها أفضل من لاشيء). أما الآن وبعد ظهور (الموبايل) في حياتنا صرنا نتبادل كلمات سريعة يومية.. يسألني عن الأخبار والأحوال وفي بعض الأحيان يستفسر عن أمور الأولاد.. تصوروا سألني مرة وهو يضحك وكأنه يقول دعابة (هي البنت تدرس أي صف)؟ في الابتدائية صح؟، صمت برهة قبل أن أجيبه.. كنت أعرف أنه لايمزح وأنه لايعلم حقاً في أي سنة دراسة ابنته!!. كالزوبعة! ولم تختلف كلمات السيدة عفاف وأم لثلاثة أبناء في مراحل التعليم المدرسي المختلفة عن الكلمات السابقة.. كانت المرارة قاسماً مشتركاً لحديثهن.. تقول وهي تضرب يداً على يد:إنه مجرد ضيف في بيته.. زائر عابر يزورنا في الظهيرة ليتناول طعامه أو ربما ليستريح قليلاً ليعاود الخروج، أو يأتي إلينا في المساء ليخلد فقط إلى النوم.. وحينما يتكرم ويمنح بيته دقائق سريعة لاهثة يثير المشاكل ويلاحق الأولاد بالاستفسارات والأسئلة ويقلب نظام البيت وقوانينه رأساً على عقب ثم يمضي في طريقه ولايحفل بتلك الزوبعة التي أثارها خلفه!. خيوط العنكبوتية طوت زوجي وتحدثت أم منصور قائلة: المشكلة التي طغت على السطح الآن إدمان المتزوجين للنت وإهمال واجباتهم المنزلية والأسرية من أجله ومن هذا الموقع المؤلم تقول: كنت أعيش مع زوجي في حياة هنيئة مليئة بالحب والاحترام لكن منذ أن اقتحم زوجي خيوط العنكبوتية وطوته بين شباكها وصارت شغله الشاغل فهو لايرى هماً ومتطلباً إلا هذه الشبكة يغوص في أعماقها ولانراه إلا أوقات الأكل والنوم فقط وبدأ السهر وضياع الأوقات حتى فصل من عمله ولم يأبه بذلك وقمت أنا بشؤون المنزل نيابة عنه بحكم أنني موظفة وبحكم أن وجود أطفال لدي يتحتم علي الصبر. المحرر هذا شيء من واقع الكثير من الأزواج للأسف وهذه قضية واحدة من آلاف القضايا خلف أبواب المنازل. قضية خطيرة جداً أن يقضي كثير من الأزواج جل وقتهم خارج المنزل ولايعيرون زوجاتهم شيئاً من الاهتمام ويرون أن المرأة مجرد آلة مهمتها العمل دون كلل ولا ملل وعليها تنفيذ الأوامر والسمع والطاعة دون نقاش البته. وعندما تأتي إلى زوجها وتقول له: إنني بحاجة إليك محتاجة القرب منك. يأتي الرد القاسي المتعارف عليه لدينا (انتي وش ناقص عليكي لابسة أحسن لبس وآكلة أحسن أكل وخدامة وانترنت وجوال وش تبين بعد؟) ويقضي بعد ذلك كل الوقت خارج المنزل متنقلاً ما بين الاستراحات والمقاهي والخروج بدون هدف والبعض الآخر أخذته مشاغله المالية عن المنزل بعيداً فهو لايعلم عن أهل بيته شيئاً سواء زوجته أو أولاده وهذه مصيبة كبرى. أما الآثار المترتبة على هذه القضية وهي من واقع ما شاهدت بأم عيني وسمعت وقرأت: الخيانة الزوجية لأنه كما ذكر ابن الجوزي في صيد الخاطر عن ذلك: أنه في حالة الجفاء العاطفي فإن الطرف الآخر يبحث عن بديل يعوضه عن ذاك الجفاء وازدياد حالات الطلاق ولقد سجلت خلال السنوات الخمس الأخيرة الاحصاءات أن حالات الطلاق ثلاث أضعاف حالات الزواج، وانحراف أحداث السن خاصة من الذكور لأن الذكور دائماً لاتستطيع الأم التحكم فيهم ومسؤوليتهم تقع على الأب وعند غياب المسؤول فإن النتيجة بلا شك الضياع.