المدينة المنورة هي عاصمة الإسلام الثقافية الأولى، وهي المدينة التي شهدت نزول الوحي الإلهي على آخر الأنبياء وخاتمهم نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم. واختيار المدينة عاصمة للثقافة الإسلامية عودةً بالعلم والثقافة إلى منبعهما الأصيل، حيث تشكل هذه المناسبة لفتاً لانتباه الجيل إلى هذه المدينة المقدسة التي اختارها الله تعالى لتكون مهاجر نبيه صلى الله عليه وسلم ومأرز الإيمان، ومثوى الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم. لقد تربعت المدينة على مكانة عليا في العلم والثقافة يوم كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس إلى الناس في مسجده الشريف معلّماً ومربّياً وموجهاً، فكان يدرّس أصحابه ويعلمهم، كما خصص لنساء المسلمين وقتاً يأتيهنّ فيه فيعلمهن ويوجههن، ولم ينس من تعليم وتوجيه صغار الصحابة وأبنائهم وبناتهم، فكان لهم نصيب من علمه. ثم كان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل من هذه المدينة رسله فاتحين ومعلمين ومبشرين بالإسلام ومنذرين، حتى نشر الإسلام في الجزيرة قبل أن يلحق بالرفيق الأعلى. المدينة لم تتوقف عن تحمل أعباء هذا الدور، فظلت منذ عهد الصحابة مقصد طلاب العلم من شتى أرجاء المعمورة، وها نحن اليوم نرى المدينةالمنورة المكان الأول لطلاب العلم الشرعي من أنحاء الدنيا، وهذا هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لا يزال منارة شامخة تحتضن حلق العلم ودروس الخير، كما أن لمدارس المدينةالمنورة ومعاهدها سمعة مضيئة يعود بعضها إلى قرون مضت، وما ذاك إلا لما فضلها الله به من العلم والإيمان، فهي دار الإيمان ودار النبوة، وستبقى عاصمة للعلم والثقافة محروسة بعناية الله وحفظه، في ظل قيادة حكيمة من ولاة أمر هذه البلاد المباركة، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله وسمو ولي عهده وسمو النائب الثاني. ولا يفوتني أن أذكّر بجهود أمير المدينة المثقف صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن ماجد بن عبدالعزيز التي تُذكر فتُشكر، فهو من الرجال المخلصين الذين يبذلون الغالي والنفيس في سبيل خدمة هذه المدينة المقدّسة، وجهوده في دعم الحركة العلمية والثقافية في المدينةالمنورة لا تخفى على أحد، وما مجلسه الأسبوعي إلا دليلٌ على حبّه للعلم وأهله. فجزى الله الجميع خير الجزاء.