ما من أوضاع متأزمة وصراعات وصدامات سواء السياسية أو العرقية أو الطائفية منها التي تشغل العالم أجمع هذه الأيام بهمومها وغموضها وبمشاكلها، أو الأسرية والاجتماعية والاقتصادية والعملية والتعليمية والتربوية وغيرها، إلا ويكمن خلفها مسببات ظاهرية واضحة مبنية على جذور سببية عميقة ومتراكمة، ويمكن أن تتضح جليا لو تم التدقيق في أعماقها التاريخية والزمانية والمكانية والبيئية، ليتم تحليلها وتقييمها واستيعابها من أجل النظر في اقتطاع جذورها ومسحها لكي لا تعود مرة أخرى للظهور، ولو ظهرت مرة أخرى، فستواجه وبسرعة بالحلول المرصودة سابقا، ولن تجد لها الأرضية الخصبة للتمدد والاستمرار والتغلغل والبقاء. المتابعون والمراقبون والمهتمون عن قرب بالشأن الإنساني وحتى المتأثرين مباشرة بتلك الأوضاع والذين يئنون ألما وظلما من المضللين إعلاميا بجهل عام أو مركب، يرون بوضوح وتأسٍ أنه لم يكن العالم يعيش من قبل مثل هذه الأوضاع المتوترة والمتزايدة تدريجيا فحسب، إلا بعد أن اتسع العالم وامتد انبساطا سكانيا بشريا وتقنيا واحتياجا غذائيا وصحيا، انبساطا توسعيا مبنيا على استراتيجيات وأطماع وخداع وتسويف، مرتبط ارتباطا وثيقا بالمتغيرات الطبيعية منها أو المقصودة الموجهة للهيمنة والسيطرة على مقدرات العالم والشعوب، التي أخذت تضع لمساتها شيئا فشيئا على الأرض وسكانها؛ سلبا بقسوة وبدون رحمة في جوانب عدة، كان للأوضاع المتأزمة المقصودة النصيب الأكبر في صياغتها وتأثيرها وتخطيها للايجابيات الموجهة للاستقرار والنمو والاستدامة. فالناضجون والواعون لحقيقة ما يدور في هذا العالم من سياسات وتوجهات وأهداف مشوشة وغادرة، يمكنهم أن يساهموا في قلب الأوضاع السلبية إلى ايجابية، أو الحد منها والتوعية والنصيحة من آثار التدخلات الخارجية التي تروج لدخولها عبر أبوابنا المفتوحة المشرعة بسذاجة بمفهوم حَسَن، وتسعى لقلب الحقائق واستغلال نفوذها إيهاما لنا بنزع الفتيل ونشر الديموقراطية وبحلحلة المِحَن، فلها في تاريخنا دروس وعبر كثيرة مليئة بالتفريق والفتن، تناسيناها مجبرين وأدمناها فطريا عاجزين بعد أن جرَّت علينا الويلات عبر الزمن، ولا زالت تغوص في أعماقنا وتتغلغل وتتردد علينا وتسوق لنا أراجيفها بالابتسامة والشجن، قد تعدت الحدود والأخلاق ولم تطرق الأبواب لعبورها فاكتسحتنا ودهستنا وألبستنا الكفن. وللباب المفتوح سياسات متعددة ومتغيرة؛ سياسة داخلية إيجابية للتصحيح وأخرى سلبية سيئة ومدمرة، تهيء بطبيعتها لاتساع الباب في السياسة الخارجية السلبية نتيجة الضعف التي تورده السياسة الداخلية، أي بمعنى آخر توضيحي؛ سياسة الباب الداخلي الذي يوسع أو يُمَرِّر ضمنيا جملا للخارج “أي الطرد” نتيجة عدم الاهتمام بالأوضاع وأحوال البشر وما يعانون منه، وصدهم وتمريغ أنوفهم في التراب وإهانتهم وهم على صواب، لا يمكن أن يدوم ويثبت ويقوي السياسة الداخلية للثبات والاستقرار، وبالتالي يتسع بابها رويدا رويدا على مصراعيه لتمرير الجَمَل الخارجي للداخل، مرورا داخليا متواصلا بكل ما يملك من هيجان وجنون وعنف وضغينة وفرصة سانحة للغزو والانتقام، تعجز تباعا عن إيقافه وتهدئته الأبواب بتدرجها، والحواجز والسدود بسماكتها وارتفاعها، والأنفس بأجسادها، إلى أن يصل إلى هتك الراحة والاستقرار والأمن والثبات. ولعلنا نورد للعبرة والعظة بعضا من الأبواب المفتوحة سلبا وتسويفا وخديعة، خاصة بما يتعلق بالقطاعات العملية والوظيفية والتعليمية محل أرزاق وإنتاج وإبداع العباد واقتصاد البلاد، بحيث لا تلبث تلك الأبواب حتى تنفرج على مصراعيها وتفقد وظيفتها والتحكم بها بسقوطها من إطارها، وتُشَتِّت وتُخيف صاحبها ومن يعبر منها، ولها من التأثير والبعد التدميري الكثير على الإنتاج الإبداعي والتطويري المستمر للمجتمع وللوطن، ويغفل ويتغافل للأسف عنها أصحابها خوفا من التغيير بإبقائهم وتشبثهم على مبدأ اللف والدوران والتسويف، إيمانا منهم بصعوبة التأقلم نتيجة توقع فقدانهم لبعض المزايا التي يتمتعون بها في ظل عدم بقاء سيطرتهم على تلك الأبواب بشكل كلي لو انتهجوا المعنى الإيجابي الحقيقي للأبواب المفتوحة، من حيث اعتقادهم باحتفاظهم بتسلطهم وجورهم للأبد هو ضمان بقائهم، فهم لا يعلمون ويجهلون أن الكراسي ما بعد تلك الأبواب دوارة ومؤقتة في تحملها لمستخدميها من قياديين وتنفيذيين وصناع قرار مستهترين، وفقا لأوزانهم الثقيلة الكسولة والاعتمادية البيروقراطية البائسة، التي تقذفهم بسرعة أو تنكسر بعد أن تتعب من حملهم، بعكس الأوزان الخفيفة النشطة العادلة والمُطَوِّرة والمخلصة لعملها ووطنها وولي أمرها، التي تبقى وتهواها الكراسي التي يجلسون عليها ولا تتعب منهم ولا تهترىء.