إن الدراسات الحديثة أثبتت الكثير من المظاهر النفسية المتعلقة بالطفولة , والخاصة بالخصائص والسمات النفسية للطفل والتي تنشأ معه وتجعل منه فرداً إما سلبياً أو إيجابياً في حياته. فالطريقة التي يُربى بها الطفل منذ الشهور الأولى لها دورها المهم في تكوينه النفسي الشخصي والانفعالي والاجتماعي. والسؤال الذي قد يتبادر إلى أذهاننا هو متى نستطيع أن نقول إن هذا الطفل يعاني من اضطراب نفسي أو مشكلة سلوكية , وهل لذلك علاقة بالوراثة أم بالبيئة التي تربى فيها الطفل أم لكليهما معا؟ وفي الإجابة على هذا السؤال يمكن القول بأن هنالك اضطرابات نفسية تصيب الأطفال في المراحل المختلفة , وتلك الاضطرابات تختلف بدورها عما يصيب الراشدين من اضطرابات , ولكن تظل هنالك ملامح مشتركة يمكن أن تظهر بين كلا المرحلتين. و تلعب الوراثة دوراً كبيراً في كثير من هذه الاضطرابات , فالوالدة ذات الشخصية الهشة أو المكتئبة مثلا ً تنقل لطفلها الاكتئاب والسلبية منذ مراحله الأولى وذلك بصورة نسبية متفاوتة , أما الطفل المولود لوالدين متمتعين براحة نفسية وإيجابية عالية فذلك يساعد على نقل الراحة للتكوين الشخصي لطفلهما. كذلك من الأسباب المؤدية إلى ظهور الاضطرابات والمشكلات النفسية لدى الأطفال الرعاية الزائدة أو التدليل , فمن الآباء من يعتنون بأطفالهم عناية فائقة تفقدهم حرية التصرف والقدرة على اتخاذ القرار مما يجعلهم شخصية تبعية بطريقة مفرطة. وفي المقابل من الآباء من يبدو صارما في معاملته لأطفاله مستخدما الأمر والنهي والنقد الساخر والعنف والعقاب مما يؤدي إلى ظهور شخصية مضطربة إما مضادة للمجتمع أو تحمل الكره والضغينة والرغبة العالية في الانتقام من الغير. وتبقى تلك المشكلات رواسب تنتقل مع الطفل كلما تقدم في العمر. كما أن بعض مظاهر النمو غير السوي لدى الأطفال - مثل الإعاقة أو التشوه أو نقص الأعضاء أو التأخر - يمكن أن تسبب لهم نوعا من الاضطرابات النفسية متفاوتة الحدة , كما أن علاجها مختلف تبعا لاختلاف الحالة وعمرها وأسبابها. و يمكن أن نعتبر أن سلوك الطفل هو المؤشر الذي يحدد صحته النفسية , فالطفل الذي يعاني من مشكلة سلوكية مزمنة ينبغي أن تظهر أعراضها عليه في أي مكان سواء في المنزل أو في المدرسة , فقد يظهر عليه تصرف مختلف يجعله غريبا نوعا ما عن أقرانه من الأطفال والذين هم في مثل عمره تقريبا. لذا ننصح الوالدين بمراعاة سلوك طفلهما والحرص على الحديث معه وتوجيهه ومخاطبته بطريقة جيدة وغير منفرة , ومتى ما وُجد أمر سلوكي معين أثار حفيظتهما ينبغي عليهما التوجه لمختص نفسي لحل مشكلة طفليهما , فالتساهل في الاضطرابات النفسية في الطفولة قد يؤدي إلى عواقب وخيمة مستقبلا.