عذرا لمقام المرأة الكبير في ربطنا الضمني بينها ككائن حي حيوي عظيم يمثل نصف المجتمع وعامود من أعمدة بقائه ونموه واستقراره وتقدمه، في موضع لا يعد تنزيلا لقدرها ومكانتها العالية فحسب، بل من أجل إيجاد سبيل فكري وفلسفي يحاكي بصيغة علمية تقريبية معينة من يخالفون أهمية تحركها وانغماسها وارتباطها في المجتمع في ظل حيائها وأخلاقها وعفتها وأنوثتها العذبة وممن يتخوفون ويخونون أيضا من نواياها الطيبة البريئة، وبين عنصر طبيعي مهم جدا يكتنف وجوده قدرا أساسيا في ديمومة بقائنا أحياء، ألا وهو عنصر الهيدروجين، المرتبط ارتباطا قويا ومتينا بذرتين مع ذرة من الأكسيجين في الماء عصب الحياة، إضافة لوجوده في كثير من المركبات الكيميائية المهمة من الكربوهيدرات في النفط والغاز وفي القلويات والقواعد وغيرهم. فهذا يعني أن هناك تشابه من حيث الوجود وأهمية الوجود لكليهما على كوكب الأرض، في مقارنة متقاربة تحتوي كماًّ من الارتباطات الحيوية الايجابية المثمرة من جانب، والتباينات المفككة لفطريتهما والمؤثرة سلبا من جانب آخر حيال تغير سلوك كل من هما في الطبيعة. فهناك من يعتقد أن للمرأة والهيدروجين أعداء يكرهونهما ويرون فيهما من عدة جوانب خطرا قادما يهز حياتهم ويربك استقرار هيمنتهم، ولعل هذا العداء والكره الموجه لهما نابع من رغبة كليهما أن يعيشا مرتبطين مع الآخرين، ويكمن في صعوبة عزلهما عن توجههما الارتباطي الفطري في الطبيعة. والمحاولات التي تسعى لفكهما واستغلال عزلهما؛ أصبحت مقلقة وكامنة الخطورة والسلبية مع الوقت، وإن نجح العزل لفترات أو ظهرا معزولين نتيجة للظروف؛ فمرده إلى تكاليف باهظة وتبعات مخيفة سلبية وخطرة، قد أظهرتها الأيام والتجارب السابقة لحد الآن، ولم تثبت تلك التجارب والمحاولات القُدرة التامة على تحقيق العزل واستغلاله واستثماره بما يرتئيه مريدوه. ومن بين الشواهد التي تحكي معضلة الهيدروجين كمدخل للمقارنة من جهة وفي اعتقاد كثير من صناع السيارات العالمية في عدم قدرته وجدواه في إحلال الوقود الاحفوري، والمحاولات الجادة في مراكز الأبحاث العالمية لعزله من الماء لاستخدامه كوقود بديل للنفط والغاز، لازالت تُظِهر احتياج العزل لطاقة كبيرة ومكلفة جدا قد تصل بالملايين لو تمت تهيئته بالمحركات، ولعل تجربتي عزله بحفاز كيميائي وأخرى بكرات كيميائية جافة، واللتين لم يظهرا وعودا عملية لحد الآن، يعطون درسا لبعد وعدم قناعة الكثيرين بجدوى الاستنزاف المالي في تلك الأبحاث، ويدعوا آخرون في ترحيل تلك الأموال للطاقة البديلة الواعدة الأخرى، فالعداء الموجه للهيدروجين يأتي من المعارضين للاستنزاف البحثي في عزله ومن خوف منتجي النفط والغاز ومن الخائفين من خطورة تواجده معزولا لكثير من الحوادث والانفجارات كونه عديم اللون والطعم والرائحة ولا يمكن التكهن به في المواقع بسرعة نتيجة تسربه. فأما من جهة المرأة بالمقارن من جهة الخوف والكره؛ فلم تثبت محاولة عزلها نجاحات سواء من جانب التسيب والحرية المطلقة الموجهة للمفاسد خاصة في الغرب، لأنها قد أحدثت شروخا عميقة في الحياة الأسرية والاجتماعية، أو من جانب الضغوط عليها وأسرها وعزلها كما يحدث في المجتمعات العربية، والتي أصبحت الضغوط تلك مع الوقت كوامن لانفجارات عاطفية ونفسية وانتحار وانهيارات أسرية وتعطيلها لمشاركة الرجل في نمو المجتمع، ومن يأتي ويسال عن نماء وتطور وإبداع الغرب في ظل التحلل وعدمه في ظل التشدد، فالجواب لا يخرج عن أن المجتمعات الغربية ذات أنظمة واستراتيجيات موجهة تتعدى نطاقات التحلل المجتمعي، في عدم تأثرها تأثيرا عميقا به، وهو ما يعيه صناع القرار وكل فرد تقريبا في الغرب، وصولا إلى تغطية النقص في استقطاب العقول المبدعة من الدول النامية، لكن المؤلم المخيف لدينا في المجتمعات العربية، أننا لا نملك أي عمق استراتيجي ولا تحليلي، وليس لدينا خيارات متعددة بديلة سوى خيار واحد موحد، وهو السيطرة والأنانية والتشدد والنفوذ والتمييز والقبلية والمحاباة، وغيرهم مما تحويه مجتمعاتنا من منابر شاذة ونشاز تهز النمو والإبداع والتطور، بما يشل المرأة والطفل والرجل ايضا والتربية والتعليم والتهذيب والتسامح والعدل والتحاور وإعطاء الحقوق، بل ولدينا الأرضيات المناسبة المتكورة في الذهنية العقلية التي ما تبرح وتُسْتَفَز بسهولة لتشعل فتيل النزاع في ذاتها ومن حولها، وتعطي الآخرين الفرصة لتفكيكنا وتأخيرنا عن الركب الحضاري والتنموي، وفي الخوض في أعماقنا واستغلالنا كدمي لمآربهم وأطماعهم. فدعونا ننظر للأمور بنظرة وسطية لا ضرر فيها ولا ضرار، ونعي خطورة ما نحن فيه من عدم استقرار لأوضاعنا وحياتنا ومن عدم استقراء لطبيعة تصرفاتنا وقراراتنا المتسرعة، والتي لا نعلم أنحن نعيش حلما نريد تحقيقه بحسب معتقداتنا للأمور، أم نعيش وهما مخيفا يلازمنا أوقاتنا ويدك مضاجعنا بما يسمى بالتغيير، ونبدأ نتحرك نحو تنظيف أوهامنا وعقولنا مما فيها من شوائب وأشواك باتت تؤخر تحركنا وتسد منافذ وأبواب الرحمة والبركات إلينا.