قبل أن نخوض في معنى الفساد الذي بدأ يشتد الحديث عنه وتمتد النظرة التطبيقية الملحة لمكافحته واحتواء كل ما يشير إليه ويرتبط به، خاصة بعد تأسيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، دعونا نسحب بكم بعيدا إلى حياة الدجاج بذوق وباحترام للجميع في دراسة بحثية علمية نادرة أولى، خرجت في مطلع شهر مارس من هذا العام من قبل الباحث جو إدجار بجامعة بريستول، والتي قد يعتقد البعض أنها من الطيور الساذجة الغبية مقارنة بالطيور الأخرى، جراء سوء الفهم أو عدم التركيز في تصرفاتها عن قرب، لان وضعها المعني للجميع يكمن في أكلها فقط، فالدجاج كما هي طبيعة الأمومة، تبرز لديها الشفقة والرفقة لصيصانها من أية تأثيرات جانبية، والتي تمت عليها التجارب بتوجيه هبات من الهواء على صغارها مع مراقبتها باستخدام أساليب قياس علمية للسلوك الحركي والنفسي، والتي اتضح من خلال التجارب؛ تعرض الأمهات للألم والحزن الذي برز في تحركات عيونها وشفقتها واحتجاجها الذي لا تملك معه القدرة على التصرف جراء المحنة والكرب لديها ولضعفها عن حمايتها لصغارها، وهي تملك صفة قيمة وعالية الشأن عند الله عز وجل أكثر مما عند القساة من أبناء البشر ذوي العقول التي ميزهم بها الباري عز وجل على سائر المخلوقات، الذين يفقدونها طواعية وينسونها بإرادتهم... لئن البشر لديهم القدرة على التمييز أكثر من غيرهم في اتباع الحق والخير، أو اتباع الشر والهوى والشهوات والشيطان والتنصل من الرحمة والشفقة والإيمان، ويتحولون إلى حيوانات مفترسة في النقمة والانتقام ونهش الأبدان. فحينما يتجه المرء بتفكيره نحو ما يسمى بالفساد، في اتجاه التحليق في مغزى هذه الكلمة الواسع الكبير وما تعنيه هذه الكلمة القوية الرنانة لديه وللمجتمع والوطن وللعالم أجمع، فإنه يستطيع من الوهلة الأولى أن يربطها وبسرعة بهيئة معينة حسب ما يوجهه عقله، تنضوي وبقوة تحت تأثيرها المادي المحسوس الأعم والأكثر عمقا، والآخر المعنوي الأخلاقي المخصوص المحسوس اجتماعيا، نتيجة لانغماسها في حياته وتمكنها من السيطرة على كينونته، مستنزفة لحراكه وطاقاته، ومخيبة لآماله وطموحاته، وهاتكة لذاته ورصانة عقله، مقلقة لاستدامة نمائه، ومعكرة لصفوة ونقاء مستقبله، ومذيبة لقوته ونشاطه، ومستشيطة لغضبه وجنونه، ومعجلة على سقوطه وانهزامه، ونازلة به في منازل التائهين من الخاسرين من أقرانه، ودافعة به لاتباع الشيطان وأهوائه، والرضوخ للنفس وما توليه من شر سيهز مع الوقت من عنفوانه، سالبة لراحته وسكونه، ومتعبة لجفونه وعيونه، مخيفة له وداكة لردة فعله ولاحتجاجه. هكذا هي معضلة الفساد التي لا يعلم الكثيرون معناها ذا الجانبين العام والخاص قبل أن يرحلوا لدلالة فحواها ومغزاها، سواء الحسي المادي، أو المعنوي الأخلاقي الاجتماعي اللذين ذكرناهما مسبقا، في تعريف الخراب والدمار والانشقاق والفرقة والفتنة في الجانب الأول، والانحرافات وفقدان النزاهة والانضباط والولاء والانتماء في الجانب الآخر. ولعل التأثيرات والدلالات التي تطرأ على المرء مما ذكرناه، هي المفتاح لباب الفحص والتدقيق وورقة السؤال والعلاج والبحث والنشر، لكل أخصائي نفسي، وباحث أكاديمي، وناقد صحفي، وعالم رباني، وخطيب مفوه تقي، وقائد عادل ميداني، ورئيس لأية هيئة وطنية تعنى بمكافحة الفساد المالي والإداري، لكي تُحدث في المجتمع نقلة تحولية انضباطية، مبنية على دراسات وتحليلات منطقية، ويتم تنفيذها بصرامة وبقوة قانونية، من أجل وقف النزيف الإنساني والاجتماعي والإبداعي.