منذ أن وطئت قدماي أرض المملكة العربية السعودية عام 1980م وقد كنت للتو متخرجًا من الثانوية العامة من مدرسة تقع شمال السودان تسمى (مدرسة دنقلا الثانوية) التي تخرج منها العديد من المبرزين في الطب والسياسة والصناعة والزراعة وغيرها من مجالات الحياة المختلفة، إذ جئت زائرًا والدي- رحمه الله- الذي دخل المملكة العربية السعودية عام 1946م وعمل مع الملك عبد العزيز- طيب الله ثراه- في قصره قرابة أربع سنوات ومن ثم خدم العائلة المالكة قرابة ستين عامًا، إلى أن توفي بالسودان في 17- 11- 2017 أثناء قضائه إجازة سنوية هناك. وكان قد تم اختياره لوضع مسيرات الرواتب لجميع السودانيين في كل القصور، وكان عددهم قريبًا من 83، لإجادته الكتابة بخط واضح وجميل. وكان يلقب في أوساط السودانيين ب (جنابو) لانتشار هذا اللقب في السودان أيام الحكم الإنجليزي. أقول جئت زائرًا والدي- رحمه الله- فالتحقت بكلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وتخرجت منها عام 1405ه والتحقت بالصحف السعودية الكبرى: الرياض، الجزيرة، الاقتصادية، الرياضية، مجلة الفيصل، إلى أن التحقت بجامعة الأمير سلطان قبل اثني عشر عامًا محررًا بالمركز الإعلامي. فخلال هذه الفترة التي تقترب من الأربعين عامًا كنت كثير التردد مع والدي- رحمه الله- في المستشفيات خاصة في السنوات الأخيرة من عمره، فوصلت إلى قناعة بأن الطبيب السعودي أيًا كان تخصصه يكون متميزًا، إذ صادفني خلال هذه الفترة الكثير من مثل هؤلاء الأطباء المتميزين الذين لا تحضرني أسماؤهم في هذه العجالة منهم على سبيل المثال لا الحصر استشاري القلب بمستشفى القوات المسلحة الدكتور حسين العمري، الذي تمكن قبل عدة سنوات من فتح ستة شرايين لوالدي- رحمه الله- عن طريق القسطرة بعد أن عجز الكثير من الأطباء وقرروا إجراء عملية جراحية له على الرغم من كبر سنه. ويشاركني الرأي في هذه القناعة عدد من معارفي الذين مروا بتجارب مرضية هم أو أحد أبنائهم؛ إذ يقول أحد أعمامي إن ابنه عندما كان في السنوات العشر من عمره مرض مرضًا شديدًا حتى عجز الأطباء عن تحديد مرضه فوصف له أحد الأطباء السودانيين طبيب أطفال سعوديًا إلا أنه ذكر له بأنه من الصعب أن تجد عنده موعدًا قريبًا، إلا أن عمي تمكن بطريقته الخاصة من مقابلة هذا الطبيب الذي تمكن بعون الله وتوفيقه من تشخيص مرض ابنه وإعطائه العلاج المناسب الذي بسببه شُفي تمامًا من المرض وأصبح الآن في السنتين الأخيرتين من الدراسة في المرحلة الثانوية. ثم تأتي تجربتي مع الدكتور عبدالله العسيري استشاري العيون بمستشفى مغربي ورئيس الأطباء بالمنطقة الوسطى واستشاري أول القرنية وجراحات تصحيح الإبصار والمياه البيضاء، دليلًا آخر بقناعتي بتميز الطبيب السعودي، إذ ذهبت إلى أحد المستشفيات قبل أسبوعين بسبب علة في العين اليسرى لازمتني منذ المرحلة الابتدائية، فتم تشخيص مرضي بوجود مياه بيضاء كثيرة وضعف شديد في الإبصار، فنصحني الطبيب المعالج بالذهاب إلى الدكتور عبد الله العسيري أو الدكتور عبد الله العتيبي وكلاهما سعودي، مبررًا ذلك بعدم وجود عدسة تناسب عيني وقلة الإمكانات لديهم في المستشفى، فوقع اختياري على الدكتور عبد الله العسيري لكون الطبيب المعالج في ذلك المستشفى ذكر اسمه أولًا ولكوني ارتحت له نفسيًا من خلال البحث في سيرته الذاتية، فتم الاتصال بمستشفى مغربي وحجز موعد معه، وكان أقرب موعد بعد أسبوع من الاتصال. وتمت العملية الآن بحول الله وقوته بإزالة المياه البيضاء وزرع عدسة في العين اليسرى دون ألم أثناء العملية وبعدها، وأصبحت أقود سيارتي ولله الحمد في المساء من دون نظارة طبية بعد معاناة طويلة من ضعف الإبصار، مما يدل على كفاءة هذا الطبيب، وغيره الكثير في مستشفيات المملكة سواء الحكومية أو الأهلية ممن لا يجدون تسليط الضوء عليهم بشكل كافٍ من الإعلام لتستفيد منهم الأجيال. ولا عجب في أن يكون الأطباء السعوديون كلهم أو جلهم متميزين في ظل ما يجدونه من دعم من الدولة- رعاها الله- من عهد الملك عبد العزيز- طيب الله ثراه- إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز- أطال الله بقاءه-، الذي يحتفل مواطنو المملكة ومقيموها خلال هذه الأيام بمرور خمس سنوات على مبايعته ملكًا للبلاد، في حين يعاني الأطباء خاصة الخريجين الجدد في كثير من الدول العربية من قلة المستشفيات وضعف إمكاناتها. ———— المركز الإعلامي بجامعة الأمير سلطان