تبدأ إجازة اليوم الوطني غدا الخميس 21 ذو الحجة، والاحتفال الرسمي باليوم الوطني لتوحيد المملكة في 23 سبتمبر من كل عام، حسب المرسوم الملكي الذي أصدره الملك عبدالعزيز -تغمّده الله برحمته- رقم «2716» وتاريخ 17 جمادى الأولى 1351ه بتحويل اسم الدولة من (مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها) إلى (المملكة العربية السعودية) ابتداءً من يوم الخميس 21 جمادى الأولى 1351ه الموافق للأول من الميزان الذي يوافق 23 سبتمبر 1932م، يوما يحتفَى به لتأسيس هذا الكيان العظيم؛ المملكة العربية السعودية. يأتي هذا العام اليوم الوطني بعد النجاح الذي حققته الدولة في موسم حج هذا العام، ووسط هذا الحراك السياسي والاقتصادي والدبلوماسي الذي يشهده العالم، والحضور الفاعل والقوى لرجالات الدولة في المحافل الدولية، بعد الاتهامات الهجومية على مملكة الخير والحب والسلام، تلك الاتهامات التي تقودها جوقة إعلامية إيرانية أو مدعومة من إيران.. ولي العهد الأمير محمد بن نايف في الأممالمتحدة في اجتماع الجمعية العمومية في دورتها «71»، وجولة ناجحة لولي ولي العهد في باكستانوالصين واليابان، وحضور قمة قادة دول مجموعة العشرين في الصين. كل هذا التقدم الذي يُحرزه الوطن على كل الأصعدة يستحق احتفاءً يُوازي هذه النجاحات، وليس اختزال الاحتفال باليوم الوطني بالأعلام والصور، فقد أصبح مطلوبا من كل طفل إحضار الأعلام وكل ما يصطبغ باللون الأخضر، حتى الحقائب والأكياس، وأصبح الاحتفاء باليوم الوطني مصدر دخل اقتصادي للمصانع الصينية التي تُصدِّر لنا أسوأ ما تُنتج. في العام الماضي كنتُ بحاجة إلى بعض المشتريات من سوق الخاسكية الجديد، أدهشني مشهد السوق الذي استبدل كل البضائع بكل ما يظن أنها متعلِّقات اليوم الوطني، أعلام وقبعات، أكواب سلاسل مفاتيح، أقمشة خضراء وفانلات ليست قطنية بل من خامات غير صحية ولا تناسب بيئتنا الحارة، أكياس ورقية وبلاستيكية كلها عليها علم المملكة التي تُرفع عليه كلمة لا إله إلا الله. كل هذه المنتجات لولا أنها تجد لها سوقا رائجة من خلال طلبات المعلمين والمعلمات للاحتفاء باليوم الوطني المخصص في المدارس، لما كانت بتلك الاستفاضة حتى أنها ملأت الأرصفة والأزقة في تلك المنطقة المخصصة لبيع الجملة. لماذا يتحول الاحتفاء باليوم الوطني إلى ممارسة استهلاكية يُوجَّه إليها الطلبة والطالبات حتى في مرحلة الروضة والتمهيدي؟. لماذا يتحول اللون الأخضر رمز العلم إلى ذلك الشكل المبتذل من المنتجات الصينية الرديئة؟. كيف يُسمح بدخول كل تلك المنتجات الرديئة والتي تحمل رمز الوطن «العلم»، وعليه أقدس عبارة؟. لأن إمكانيات الابتكار والاحتفال تحتاج إلى مهارات شخصية للمعلمين والمعلمات، وقبلها إدارات التعليم المسؤولة عن تكريس هذا المعنى السخيف للاحتفال بيوم الوطن، فهي تنتهج الطريق الأسهل عبر استحضار اللون الأخضر والعلم والصور من خلال إلزام الطلبة والطالبات بإحضارها، لذلك يُرغم أولياء الأمور على الركض في الأسواق والتزاحم لإحضار المطلوب الذي لا يمكن أن يكون تعبيراً عن الاحتفاء بيوم الوطن، ولا يمكن لأي من تلك المنتجات أن تدعم مشاعر الولاء والانتماء للوطن، بل تُكرِّس مفهوم الاستهلاك، وتربي النشء على هذا المفهوم الذي نحاول التخلص منه. لو كانت مصانعنا تُنتج وأبناءنا هم المستفيدون من المردود الاقتصادي لهذه المنتجات كان يمكن أن نغض الطرف، لكن لا يمكن أن نغض الطرف عن امتهان العلم وكلمة لا إله الا الله وهي تُلقَى في سلة المهملات أو على الأرض في الفصول والساحات المدرسية بعد انتهاء اليوم الاحتفائي بالوطن! لا بد من مراجعة مفهوم الاحتفاء بالوطن وتفعيل لهذا اليوم الوطني، بحيث يكون يوما للمشاركة الوطنية في احتفالية يشارك فيها الجميع، مهرجان حقيقي يُنمِّي مشاعر الانتماء والولاء للوطن في نفوس وعقول الصغار ويُرسِّخها في وجدان الكبار، هكذا يكون الاحتفاء بالوطن يا سادة! أين حق الطفولة وذوي الاحتياجات الخاصة في المشاركة في هذه الاحتفالية العظيمة؟ لازال هناك الكثير لنغرس في الطفل أن هذا الوطن هو حضنه الدافئ، يُوفِّر له كل وسائل الراحة والترفيه من طُرق آمنة خلال انتقاله بين البيت والمدرسة، فلا يعبث متهور بروحه البريئة، كذلك يجد يوم إجازته أماكن يُمارس فيها لهوه البريء ومتعته الطفولية بيوم الوطن. [email protected]