أوضح فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن حميد أن من علامات التوفيق والقبول عزم النفس على المداومة على العمل الصالح واختيار الرفقة الصالحة ومجالستهم رفقةٍ على الخير يعينونه وعن الشر يبعدونه وإلى الحق يقربونه رفقة صالحة وجلساء أخيار يدلون على الحق ويعينون عليه ويساعدون على سلوك مسالك الصلاح. وحذر الشيخ بن حميد في خطبة الجمعة التي ألقاها في المسجد الحرام مما قد يجري فيه الحديث بين الجلساء وسمر الأصدقاء وتغذية أدوات التواصل الاجتماعي ومواقعه وتغريداته من أقاويل الإرجاف والتهويل وشائعات التخويف والتثبيط وتعظيم كيد الأعداء ومكر الماكرين مبيناً أن المؤمن مطمئن في حياته وفي دينه غاية الاطمئنان لأنه يجمع بين الإيمان بالله والتوكل عليه والاعتماد عليه والأخذ بالأسباب وإن ذلك يؤكد إيمان المؤمن الراسخ الذي لا يتزعزع وأن الأمر كله لله فهو سبحانه مدبر الكون ومصرف الأحوال وهو سبحانه ناصر دينه ومعل كلمته وحافظٌ عباده ومهلك أعداءه من الذين يصدون عن سبيله ويكذبون رسله ويعادون أولياءه. وأوضح أن كيد الأعداء قديم والصراع بين الحق والباطل سنة ربانية والعاقبة للمتقين والله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون مبيناً أن بلاد الحرمين الشريفين ولله الحمد هي رافعة لواء الشريعة وقبلة المسلمين والخير فيها كثير ورجاء المسلم بالله قوي والأحداث موقظات والسنن واعظات والمؤمن موقن حق اليقين وعين اليقين وعلم اليقين. وأضاف أن مرور الأيام وتعاقبها سريع وانقضاءَ السنين وتلاحقها وابن ادم ينذره يومه وأمسه ويتعاقب عليه بالعبر قمره وشمسه أين من كان معكم في العام الماضي أصابتهم سهام المنون ها هو الشهر الكريم تتصرم أيامه وينحل عِقْده ونظامه قد أذن بالارتحال ولم يبق منه إلا بضع ليال وهكذا هي الأيامَ تفنى والأعمار تُطوى ولا يبقى إلا وجه ذي العزة والجلال فاغتنموا - رحمكم الله - شريف هذه الأيام والليال ، وبادروا بصالح الأعمال قبل حلول الآجال شهر كريم مبارك ما أطيب المناجاة فيه في جوف الليل وعند السحر وما ألذ انشغال القلوب في تدبر الآيات وقراءة السور وما أجمل عمارة المساجد بالصلوات والتلاوات والذكر والمحامد منافسة في المتجر الربيح في الصدقات والاعتكاف والتراويح. وقال فضيلته هل تأملتم من هو الموفق الذي قام بحقوقه هذا الشهر وأحسن الاجتهاد فيه وأخلص لله في سره وعلنه كرمه ربه فقربه من بابه وشغله بذكره وتلاوة كتابه. وأردف قائلاً لقد كان نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم يجتهد في شهر رمضان ما لا يجتهد في غيره ويجتهد في العشر الأخيرة ما لا يجتهد في غيرها وإذا دخل العشر أيقظ أهله وأحيا ليله وشد المئزر وإن من لطف الله عز وجل أن خص خواتيم الشهر بأعمال جليلة وأجور جزيلة ومن أهمها وأظهرها قيام ليلة القدر فمن أجل الأعمال في هذه الليال تحري هذه الليلة لما علم من فضلها وشرفها وعظيم قدرها ومنزلتها ولهذا كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ثم الصالحون من بعده يخصون هذه الليالي بمزيد من الاجتهاد ويولونها ما تستحق من العناية يرجون أجرها ويتحرون فضلها " من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ". وبين الشيخ صالح بن حميد أن الاعتكاف في هذه الأيام سنة مأثورة وشعيرة مبرورة داوم عليها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حتى توفاه الله لافتاً الانتباه إلى أن مما يعين على التوديع وحسن الختام أداء صدقة الفطر فهي واجبة على الكبير والصغير والذكر والأنثى من المسلمين يخرجها المسلم من غالب قوت البلد تمراً أو براً أو شعيراً أو غيرها من الحبوب التي يقتاتها أهل البلد مبيناً أن مقدارها صاع عن كل مسلم وأن من كان في بلد وأهله في بلد آخر فإنه يخرج فطرتهم مع فطرته في البلد الذي هو فيه وإن وكلهم ليخرجوها عنه وعنهم أجزأ ذلك وإن أخرج هو عن نفسه في بلده وأخرجوا هم عن أنفسهم في بلدهم جاز كذلك وهي صدقة تدفع للفقراء الذين تحل لهم زكاة المال. وأباد أن وقت إخراج زكاة الفطر يبدأ من ليلة العيد إلى الخروج إلى صلاة العيد ولو قدمها قبل ذلك بيوم أو يومين أجزأ ومن فاته إخراجها قبل صلاة العيد فإنه يخرجها بقية اليوم ومن فاته إخراجها في يوم العيد فإنه يخرجها بعده قضاءً. وأوضح أن زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين وشكر لله على إكمال الصيام موصياً المسلمين بتأديتها على الوجه المشروع وأن تكون النفس طيبة بها لتغني الفقراء عن السؤال هذا اليوم. ولفت فضيلته الانتباه إلى أن التكبير مشروع للرجال والنساء من غروب شمس ليلة العيد إلى صلاة العيد يجهر به الرجال في المساجد والأسواق والبيوت ويخرج النساء لصلاة العيد غير متبرجات ولا متعطرات يحضرن الصلاة والذكر ويشهدن الخير ودعوة المسلمين. ونبه فضيلته إلى عدم الغفلة في خواتيم هذا الشهر ووداعهِ عن مجالس الذكر والثبات على الطاعة والمداومة عليها والاستكثار من القربات ولزوم الاستغفار وأن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل فالصالحون في وداعهم رمضان بين خوف ودعاء وخوفٍ من رد العمل ودعاءٍ بالقبول من الجواد الكريم. وقال : رحم الله امرءاً بادر للاستدراك في باقي أيامه وساعاته وندم على ما سلف من إضاعاته وعوض بحسن العمل وطاعاته فيا أهل الصيام أخلصوا فإنكم إلى ربكم راجعون ويا أهل القيام تفكروا فإنكم إلى ربكم صائرون ويا أهل الإحسان أحسنوا فإنكم إلى ربكم منقلبون هنيئاً لمن سابق فسبق وهنيئاً لمن تاب وأناب فقبل أسئلوا الله الثبات من تقلب القلوب واحذروا طول الأمل فإن طول الأمل ينسي ما أوحش ذل المعصية بعد عز الطاعة. وتطرق إمام وخطيب المسجد الحرام لفضائل شهر رمضان حيث شهدت لياليه قَصَصُ التائبين وبكاء المذنبين ودموع القانتين وقنوت المتبتلين من قائم في المحراب وقارئ للكتاب ومستغفر بالأسحار ومنفق في الليل والنهار كلهم يرجون رحمة ربه ويخشى عذابه. وأوصى فضيلته بمحاسبة النفس ومن أجل حسن المحاسبة فلينظر المرء بين حاله قبل رمضان وبعد رمضان وليس في رمضان فإن كان حاله بعد رمضان خيراً من حاله قبل رمضان فهذا هو الذي يرجى له التوفيق والقبول وحسن العمل ، يقول بعض السلف " كانوا يستحيون من الله أن يكونوا اليوم على مثل حالهم بالأمس ". كما حذر من سلوكيات بعض المخذولين ممن يقابل نعمة إدراك رمضان والتوفيق لصيامه وقيامه ثم يرتكب المعاصي متسائلاً ألا يخشى أن يكون ممن بدل نعمة الله كفراً مخذول من يحدث نفسه إذا خرج رمضان عصى ربه وعاد إلى ما كان عليه من سوء العمل. وشدد فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام على أن الموفقين لا تزيدهم مواسم الخيرات إلا اجتهاداً في العبادات وحرصاً على الأعمال الصالحات فإذا ما انقضت المواسم بقيت آثارها في حياتهم وسلوكهم يتبعون الحسنة الحسنة ويدرؤون بالحسنة السيئة أولئك له عقبى الدار.