قارئ أحاديث مارتن أنديك عن المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية الأخيرة لن يغمض عليه اكتشاف أي من طرفيها يحمّل انديك تبعة فشلها ، وهى من المرات النادرة التى يقول لنا دبلوماسى أمريكى شارك فى التفاوض بأن إسرائيل ملامة ، بالطبع لم يقلها مباشرة بوضوح ، وإلا على أى أساس هو دبلوماسى !؟ ، إنما وزع التبعة على الطرفين ، وإن بشكل لا يخفي رأيه الحقيقى . قبل أن تأخذك الظنون فتحسب أن أنديك من الآرابست أو غير المتعاطفين مع إسرائيل ، يجب أن أوضح لك إنه وثيق الصلة باللوبى الإسرائيلى فى واشنطن ، وكل الدبلوماسيين الأمريكيين المفوضين بهذا الملف هم كذلك ، على تراوح درجات وثاقة الصلة، أنديك بالتحديد وثيق الصلة جداً، حمل فى الأصل الجنسية الأسترالية، ثم عاش ودرس فى إسرائيل سنوات قبل أن يستقر به المقام فى الولاياتالمتحدة ، ويدفع به اللوبى الى العمل فى حقل السياسة الخارجية . ووراء ألا يولّىَ هذا الملف إلا لأصدقاء إسرائيل منطق إنهم يعرفون أنها لن تتجاوب وتبدي المرونة إلا مع من تثق فيهم . هذا ما يعطى تعليقات انديك اللائمة لإسرائيل قيمة مضافة ، ومما قاله إن المفاوضات أفشلت عن عمد بواسطة اليمين المتطرف المشارك فى إئتلاف حكومة نيتانياهو ، وذلك باستعمال ورقة التوسع فى بناء المستوطنات . إسرائيل لن تقول لك أبداً إنها أفشلت المفاوضات (هذه المفاوضات أو غيرها) ببناء المستوطنات، أو ما سوى ذلك من أدوات الإعاقة ، دائما هناك سبب بهلوانى تأتى به من خلفية الموضوع وهوامشه لتدفع به الى الواجهة ، ثم تتولى ماكينتها العالمية للدعاية تدويره بحيث يبرز ويطغى على ما عداه ، السبب هذه المرة إصرارها على أن يعترف المفاوض الفلسطينى بيهودية دولة إسرائيل!، وهو أمر مستجد لم يطرح فى أى مداولات ولا احتوته اتفاقات عربية إسرائيلية سابقة ، ولا هو فى جوهر ما يجرى التفاوض حوله ، موضوع التفاوض إقامة الدولة الفلسطينية، وقضيته الأساسية رسم الحدود، مراوغة ذلك بمطالب جانبية تعلم إسرائيل بأن المفاوض الفلسطينى سيرفضها ، لكى تصادر بها الموضوع الأساسى ، وتستمر فى قضم الأراضى الجارى التفاوض عليها بالمستوطنات والمستوطنين ، لا يدل على رغبة حقيقية فى التسوية .. يرى أنديك غرابة المطلب من جهة انه تحصيل حاصل ، وأن رفض الفلسطينيين له تكتيكى لا نهائى بغرض الحصول على أقصى ما يستطيعون مقابله ، إلا إنى أرى الاعتراضات الفلسطينية الثلاثة عليه جميعها وجيهة ، وهى كما يلى : انه يجعل المواطنين من غير اليهود فى إسرائيل مواطنين من الدرجة الثانية – انه يسقط حق العودة عن المهجرين فى 1948م – انه يفرض على الفلسطينيين قبول مقولات الحركة الصهيونية . اليمين المتطرف ومعه أكثر من نصف الرأى العام فى إسرائيل لا يرون مصلحة فى التسوية ، إنما فى التوسع فى الاستيطان وجلب مهاجرين جدد، وطالما بقى لهم هذا التأثير على القرارات ، أو لم يبد لإسرائيل مصلحة فى حل نهائى يصعب على يمينها التعمية عليها ، فكل جهد مبذول فى البحث عنه ضائع .. لا زال فيما قاله انديك ما يستحق المتابعة ، لذلك أتابع الأسبوع المقبل .