اختيار التخصص والمهنة لطالب الثانوية أمر في غاية الأهمية .ولكل إنسان متميز قصة من الإبداع والعصامية والطموح .سأل الابن والده لماذا دخلت الطب فكانت الإجابة معبرة عن تجربة تستحق الإطلاع حيث يقول الأب: (ابني الحبيب عندما كنت في سنك كنت أدرس في قرية صغيرة في أقصى جنوب المملكة ، وكنت يتيم الأب ، كانت أمي يرحمها الله مدرسة في التربية . كنت وقتها أحلم بالسفر الى الرياض ،سألت قسم التسجيل ماهي أحسن الكليات ، قال الهندسة والطب أنت ماذا تريد؟، قلت سأضع خياري الأول الهندسة ، ووضعت الخيار الثاني الطب ، وكانت المفاجأة ،تم اختياري للطب.. ويضيف الأب : (بدأت معركة التحدي وكانت اللغة عائقاً ووجدت معي أصدقاء يتحدثون عن قضاء فترة الصيف في لندن لدراسة اللغة ، كنت أبذل مجهوداً مضاعفاً لكي أجاريهم وبعد السنة المصيرية التي كانت تسمى العلوم الصحية هي من يحدد من يذهب الى الطب ثم الأسنان وبعدها الصيدلة حسب المعدل التراكمي، واجتزت المعدل المطلوب وبدأت رحلة الطب الشاقة وبفضل الله تخرجت في الوقت الطبيعي ثم بدأت رحلة التخصص واخترت تخصص الجراحة العامة وجراحة القولون ( ولعل السبب هو وفاة والدي بسرطان القولون ) كلمات عمي يرحمه الله كانت في ذاكرتي عندما قال :ان الاطباء قرروا استئصال القولون ، وسيعيش مابقي من حياته يحمل كيساً أكرمكم الله على بطنه للإخراج ،كان الطب في بداياته ورفض عمي والأهل هذه الفكرة ولم يمضِ الا أيام قليلة حتى جاء عمي في عصر يوم وقال إن والدكم مات .علقت فكرة مرضه في عقلي الباطن ، وعندما اخترت الجراحة استيقظ بداخلي شعور غريب ،لماذا لا أختار هذا التخصص على الرغم انه لم يكن مغرياً وعارضني العديد وحصلت لي فرصة بعثة ، وكان لي ذلك حيث دخلت زمالة الجراحة وحصلت عليها في وقت قياسي ثم انتابني شعور بان شهادة البورد لم تكن ترضي طموحي فقررت البدء من جديد وحصلت على زمالة الكلية الملكية البريطانية FRCSEd بعد ستة أشهر من حصولي على البورد العربي ومن أول محاولة ولله الفضل والمنة ، ثم قررت أن اتعمق في جراحة القولون وبفضل الله تم قبولي كاول جراح سعودي في أكاديمية سانت ماركس في لندن وهي أعرق جامعة في جراحة القولون تعلمت فنون الجراحة وعدت في أواخر 1997 ، وحصلت على وظيفة استشاري كاول جراح للقولون في السعودية ،وبفضل الله بدأت أتعامل مع أورام القولون وأرى في كل مريض والدي حيث عشقت التخصص )ويضيف قائلا: ( ابني الغالي الطب أعظم مهنة على وجه الارض ولكي تنجح لابد أن تعشقها ولاتعتبرها مجرد وظيفة للحصول على المال ، انك اذا جعلتها هواية وليست مهنة سوف تشعر بطعم ولذة العيش ، هي استثمار طويل الأجل ،المرضى لاينسون أبداً من كان يوماً مصدراً لسعادتهم ، دعوات المرضى وإدخال السرور الى أنفسهم هي أثمن استثمار....... ياابني مهنة الطب مهنة تتعامل مع حياة الناس، نعم نحن مجرد أسباب والشفاء بيد الله ،ولكن اذا أخلصت النية في العمل فاعلم بان الرزق والمال والبيت والزوجة وكل ماتحلم به سوف يأتيك . يابني لاتفكر ابدا ان تصبح مشهوراً ولا تبحث عن المنصب ولا المركز لانها ستأتي صاغرة اليك ، ابتسم ، احبب الناس ولا تجعل الغرور يدخل الى قلبك ، احذر بني من الكسب الحرام ، لاتعامل المريض على انه حالة مرضية، تقرب من المرضى اسأل عن ظروفهم ساعد المحتاج ولا تذكر إحسانك لأحد ولا تتوقع ولا تنتظر رد الجميل . ابني العزيز لو عاد بي الزمن سنين للوراء لدرست الطب ثم الطب ثم الطب ، ليس لاجل المال ولا الشهرة .. واخيرا ابني الغالي اختر ماتراه يناسب قدراتك ولا تجعل أحداً يقرر لك ماتريد ، واعلم انه من طلب العلا سهر الليالي ،، ابني الغالي اجعل رضى الله هدفك ولا تخشَ من سلطة أحد فالارزاق قد قسمها لك المولى عز وجل والأقدار قد كتبت ...) انتهى كلام استشاري الجراحة العامة في مستشفى قوى الأمن الأستاذ الدكتور محمد العسيري وأنشرها بعد إطلاعي عليها لكي تعم الفائدة فهي خلاصة رؤية إنسانية في كيفية دخول الطب ثم التميز به ثم التعامل مع أخلاقيات المهنة وأرى أنها وثيقة ينبغي على وزارة التعليم العالي توزيعها على طلاب كليات الطب وعلى وزارة الصحة وهيئة التخصصات الصحية بحيث تكون في يد كل طبيب وطبيبة . [email protected]