سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
في حب مصر كثيرة العشاق! في النموذج المصري لا تطرح علاقة الفرد بالمجتمع نفسها بالإلحاح المعتاد، هذه أحد خصوصيات النموذج، التي يصعب تصنيفها إلى مزية أو عيب
فرغتُ لتوي من طبق السلطة الصباحي عندما رأيت رفيق مقبلًا إلى مكاني بالمقهى بخطواته السريعة، ثاني عيوبه بعد البخل العجلة في كل شيء، من المشي إلى التهام الطعام إلى قلة الصبر على التأمل. أحمد ربي أن رفيق ليس بكاتب، وإلا لأخبرك عن عيوبي ما لا أعرف أو ما لا أعترف به، فالمرء دقيق الملاحظة عندما يتعلق الأمر بعيوب غيره، ضعيف الملاحظة فيما يخص عيوبه.. بعد أن أدلى بطلبه إلى عامل المقهى استدار إلىَّ قائلا: مقالين عن خلافات اليمين واليسار في الولاياتالمتحدة، ثم لم تتفضل علينا برأيك في الخلاف.. قلت: شرح الواقع أهم من رأيي فيه، قل أيضًا أني لم أعنَّ بتكوين رأي عن مسألة لا تخصنا في العالم النامي، تلك مجتمعات متقدمة عندها فائض مداخيل تبحث عن طرق مثلى لإنفاقها، في سواها هناك مشكلات ضآلة دخل وتخلف، ونظم اجتماع وإدارة حائرة بين التقليدية والتجاوب مع العصر.. طالعني بنظرة باردة لا تخلو من تأنيب وعلّق: قضية علاقة الفرد والمجتمع لا شأن لها بما تقول، هي قائمة منذ المجتمع الأول وستبقى إلى المجتمع الأخير، ولم نسمع رأيك فيها.. رددت: ها أنت قلت إنها أزلية، لا لأنها صعبة، إنما لكونها تحتمل إجابات متراوحة في واقع متعدد ومتغير.. قال: حسنًا، نتحدث عن واقعنا بمصر المعاصرة، ها قد أبطلت حججك الثلاث، فالواقع محدد وكذلك زمانه، والموضوع لا يخص عالم المتقدمين.. قلت: لكنه ليس قضية مطروحة تستحق إنفاق الوقت، مشكلتك ليس اكتشاف العلاقة المثلى بين المجتمع والفرد في ظروفك الآنية، مشكلتك بصراحة فجة مع التخلف، إن حللتها ستسوى علاقة الفرد بالمجتمع نفسها من خلال حلها.. هز رأسه معترضًا وقال: غير صحيح، علاقة المجتمع بالفرد واحدة من قضايا التحديث، لا تستطيع أن تتحدث عنه وتهملها.. قلت بصبر: لمصر نموذج على مضمار التحديث خاص وربما غريب، تلك العلاقة لا تشغل حيزًا معتبرًا من همومه.. لمعت عيناه كأنما ظفر بضالة وقال: حلو، حدثنا عن هذا النموذج.. رددت: أمر يطول بيانه.. قال: احنا ورانا إيه!؟، عواجيز في فراغ، وساعات الشتاء طويلة.. ابتسمت محذرًا: قد لا يكون التوقيت مناسبا للكلام. لولا أني لم أعش ماضيها الطويل لأؤكد لك عن يقين، إلا أني أشك أن مصر عرفت أوقاتًا من القلق قدر ما هي عليه الآن، كانت على الدوام مسترخية تحت شمس دافئة حنونة، راضية عن ماضيها، لا يزعجها حاضر، ولا يريبها مستقبل، علما بأن لا ماضي ولا حاضر خبرته كانا قمينان بجلب رضا أو ثقة!، أما المستقبل فعلى الدوام هاجس البشرية الأزلي، لكنها مصر النموذج شديد الخصوصية، الطريف أنها الآن حيال لحظة نادرة لا تتطابق مع مألوف، لذلك ربما لا يجوز التعويل فيها كثيرًا على هذه الخصوصية. أستطيع أن أُسمِّي النموذج المصري على مسار التحديث، وأنا هنا أُحدِّثك عن التاريخ لا الموقف الراهن، بالتحديث المعتقل، أي الذي توافرت جميع أسبابه وأسس انطلاقه وأعيق عن عمد، العمد لم يك دائمًا (فقط أحيانًا) بنية السوء، صدر العمد من النخب، فمن يعمد شيئًا هو من يستطيع إتيانه أو تركه، وساعد عامة الناس بإيجابية على تسهيل سلوك النخب، وهى غير المساعدة السلبية، فالركون إلى المألوف وكراهة المغامرة بالتجريب سمة ثقافية.. قال بفضول: أكمل. [email protected]