أشار باحثون شرعيون إلى أن الإساءة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وشتم وتشويه صورتهم هو خروج عن الدين، كما أن الإساءة لهم تفضي إلى مفاسد وفتن بين المسلمين أبرزها حرمان الأجيال المسلمة من الاقتداء بهم واتباع هديهم، وأوضح الباحثون أن المناظرة حول صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام إذا خلت من السباب والشتائم وتصدى لها المتمكنون من أهل العلم وأصحاب الحجج والبراهين فإنه يجوز الخوض فيها، جاء ذلك في الاستطلاع التالي الذي أجرته (الرسالة) حول المناظرات العلمية عن الصحابة الكرام رضي الله عنهم: بداية قال عضو الجمعية العلمية السعودية للعقيدة والأديان والفرق والمذاهب الدكتور نهار بن عبدالرحمن العتيبي ان الفترة الأخيرة شهدت انتشارًا لما يسمى بالمناظرات في بعض القنوات الفضائية بين شخص من أهل السنة وآخر من أهل البدع، وربما يتم اختيار سني ضعيف في علمه أو في علميته، ويتم من خلال هذه المناظرة التعرض لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم؛ فيسبهم المبتدع أو يقذفهم بما هم منه براء. وأردف العتيبي أن حكم هذه المناظرات يبنى على ما يدور فيها؛ فإن كان المناظر ضعيفًا في علمه أو ضعيفًا في حجته واستدلاله ونباهته فلا يجوز له أن يناظر أهل البدع حتى لا يلبس على الناس؛ فلا يعرفون الحق من الباطل. أمّا ان كان في المناظرة شتم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلك مصيبة أخرى، تأباها الفطر السليمة، وتمجها ذائقة المؤمنين، وتصادم عقيدة الموحدين، فكيف تقبل مناظرة شخص يسب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شهد الله جل وعلا لهم بالرضوان، وزكاهم، وتوعد الله في كتابه الكريم الذين يعادون أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم بالعذاب الشديد، ويرى العتيبي أن شتم المبتدعين لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو دليل على عداوتهم وبغضهم، ولذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سب أصحابه وبين فضلهم ومكانتهم، فكيف يسمح شخص لنفسه أن يناظر شخصًا يشتم نبينا صلى الله عليه وسلم وأصحابه ،وقد نهى النبي عن سب أصحابه قائلًا (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصفه). وأضاف العتيبي أن سب الصحابة وشتمهم كفر بالله تعالى؛ لأنه طعن في القرآن الذي هو كلام الله عز وجل وطعن في السنة المطهرة لأنه تكذيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك فيرى العتيبي أنه لا يجوز مشاهدة الحلقات والمناظرات التي فيها سبّ لأزواج نبينا محمد أو سبُّ أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، بل الواجب منع مثل هذه المناظرات وإيقافها ومعاقبة من يشارك فيها أو يرضى بذلك، صيانة لعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظًا لحقوق أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم. الآثار السلبية أما عضو الجمعية الفقهية السعودية الدكتور حمود بن محسن الدعجاني فيرى أن الواجب على المسلم الكف والإمساك عمّا حصل وشجر بين الصحابة ولو كان ذلك على وجه المحبة وسلامة الصدر والترحم عليهم وحسن الظن بهم؛ لأن الأصل السكوت عما شجر بين الصحابة درء للمفسدة الحاصلة وسدّا للذريعة المفضية للشبه والفتنة، أمّا ذكر كتب التاريخ لما حصل بين الصحابة بكل تفصيل فهذا من باب الأمانة العلمية، وفي ذلك فوائد منها أخذ العبرة والعظة، وبيان بعض الأحكام الشرعية كأحكام قتال أهل البغي كما قرر ذلك علي مع المخالفين، ولولا ما حصل بينهم من قتال لما علم ذلك، وأشار الدعجاني إلى أن هناك آثارًا سلبية في نشر أحاديث الفتنة وأخبار النزاع بين الصحابة منها: الإفساد على المسلمين سلامة صدورهم، وصفاء قلوبهم على الصحابة، كما أنها تثير بين الناس الشبهات، وتزعزع الثقة بالصحابة عند كثير من الناس. كذب بالكتاب والسنة كما أكد عضو هيئة التدريس في جامعة أم القرى الدكتور أنس بن سعيد بن مسفر القحطاني أن الذي يسب الصحابة وينتقصهم في دينهم فقد كذب بالكتاب والسنة؛ لأن الله عز وجل قد رضي عنهم؛ فمن سبهم باللعن والشتم لدينهم فقد احتمل بهتانًا عظيمًا؛ لذلك -كما يذكر القحطاني- فرق أهل العلم بين من يسبهم لدينهم ومن يسبهم لغرض شخصي؛ فمن يسبهم لغرض شخصي فقد نال من خيار الناس فعقابه على الله، ومن سبهم لدينهم واتهمهم كمن اتهم عائشة -رضي الله عنها- وقد برأها الله أو من يتهم أبا بكر وعمر بالجبت والطاغوت وأنهم من أهل النار؛ فلا شك أنه خارج من الدين، ويقال بكفره على الإطلاق، لكن كفر المعين فيه كلام من أهل العلم. وشدد القحطاني أن من كفّر الصحابة أو شك في إيمانهم فلا شك أنه كافر. وأضاف القحطاني أن المنهج الصحيح في التعامل مع من تعرض للصحابة بالسب والشتم يكون بالتوضيح وبيان فضلهم ونشر محاسنهم، كما يكون بدعوة الناس إليهم، وبيان مكانتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أشار القحطاني إلى أن المهاترة لا ترد بمهاترة، واللعن لا يرد باللعن وإنما يرد بإظهار محاسنهم وشرفهم ومكانتهم عند الله عز وجل. الحرمان من القدوة وفي ذات السياق يرى عضو الجمعية العلمية السعودية للعقيدة والأديان والفرق والمذاهب الدكتور إبراهيم بن محمد الزبيدي أن عدالة الصحابة معلومة بتعديل الله لهم، وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم في نص القرآن، فهذا دليل بالقطع على عدالتهم والاعتقاد بنزاهتهم وأنهم أفضل من جميع الخلق الذين يجيئون من بعدهم. وأوضح الزبيدي أن من شتمهم أو سبهم فقد خالف الحق ومرق عن الإسلام وقد حكم عليهم علماء الإسلام بالكفر. وأكد الزبيدي أن الصحابة كانوا شموسًا طلعوا في سماء الإنسانية بما تربوا عليه من دين وأخلاق، فكانوا أسمى أخلاقًا وأصدق إخلاصًا لله، وترفعًا عن خسائس الدنيا، من أن يختلفوا لأجلها، ولكن الأيدي الخبيثة التي جاءت فيما بعد، فصورت الوقائع بغير صورتها، وأدخلوا في الإسلام ما ليس منه، وألصقوا بسيرة رجاله ما لم يكن فيها، ولا من سجية أهلها. وأضاف الزبيدي أنه لما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم قدوتنا في ديننا، وحملة كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم إلى الذين حملوا عنهم أماناتها، حتى وصلت إلينا، فإن من حق هذه الأمانات على أمثالنا، أن ندرأ عن سيرة الأولين، كلما أُلصق بهم من إفكٍ ظلمًا وعدوانًا، لتكون صورتهم التي تعرض على أنظار الناس، هي الصورة النقية الصادقة، التي كانوا عليها، فتطمئن النفوس إلى الخير الذي ساقه الله للبشر على أيديهم. وبين الزبيدي أن الطعن فيهم طعن في الدين الذي هم رواته، وتشويه سيرتهم تشويه للأمانة التي حملوها، وتشكيك في جميع الأسس التي قام عليها كيان التشريع في هذه الملة الحنيفية السمحة، مبينًا أن أول نتائج ذلك التشكيك حرمان شباب الجيل وكل جيل بعده، من القدوة الصالحة التي منّ الله بها على المسلمين، ليتأسوا بها، ويواصلوا حَملَ أمانات الإسلام على آثارها، ولا يكون ذلك إلا إذا ألمّوا بحسناتهم، وعرفوا كريم سجاياهم، وأدركوا أن الذين شوهوا تلك الحسنات، وصوّروا تلك السجايا بغير صورتها، إنما أرادوا أن يُسيئوا إلى الإسلام نفسه، بالإساءة إلى أهله الأولين. وأوضح الزبيدي أن من أصول اعتقادنا وجوب الكف عمّا حصل بين الصحابة من خلاف وقتال، وأنهم مجتهدون، فمن أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر واحد، وخطؤه يغمر في بحر حسناته، فنحبهم ونتولاهم ونترضى عليهم وندافع عنهم، ونحفظ فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم. المزيد من الصور :