الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: معنى هذه القاعدة الفقهية أن الأجر المرتب على الفرض أكثر وأوفى من الأجر المرتب على النفل، ومن أدلتها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله قال: من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه» رواه البخاري وأحمد. وقد خص الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بأمور أوجبها عليه، ولو يوجبها على أمته؛ لأن أجر الفرض أكثر من أجر النفل، وقد ذكر هذه الفائدة الإمام الشافعي، فقال: إن الله تبارك وتعالى لما خص به رسوله صلى الله عليه وسلم من وحيه، وأبان بينه وبين خلقه بما فرض عليهم من طاعته، افترض عليه أشياء، خففها عن خلقه؛ ليزيده بها - إن شاء الله - قربة. وملخص هذه القاعدة أن أي طاعة من الطاعات المشروعة، ففرضها أفضل من نفلها، ففريضة الصلاة أفضل من نفلها، والزكاة أفضل من الصدقة، وصوم رمضان أفضل من غيره، وحج الفرض أفضل من حج النفل، وهكذا. ويستثنى من هذه القاعدة عدة مسائل: منها إذا حلَّ موعد سداد الدين، فكان المدين معسرا، فإن إنظاره إلى ميسرةٍ واجب؛ لقوله تعالى: «وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة»، وإبراء المدين عن الدين سنة،وإبراؤه أفضل من إنظاره؛ لقوله تعالى بعد ذلك: «وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون»، ولأن إبراء الدين يحصل به أكثر مما يحصل بالإنظار. ومنها السلام بين الناس، فإن ردَّه على المسلِّم واجب؛ لقوله تعالى: «وإذا حييتم بتحية فحيّوا بأحسن منها أو ردوها»، أما البدء به فإنه سنة، والبدء به أفضل من رده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» رواه البخاري ومسلم. ومنها الوضوء إذا حان وقت الصلاة المفروضة، فإنه شرط واجب لصحة الصلاة؛ لقوله تعالى: «إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم على الكعبين»، وفعله قبل دخول وقت الصلاة سنة؛ لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم بلال بن رباح رضي الله عنه في قوله: ما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها،رواه أحمد والترمذي، ودوام الوضوء أفضل من فعله فقط عند الصلاة. ومنها الختان فإنه واجب بعد البلوغ؛ لأن الطهارة لا تتم إلا به، وفعله قبل البلوغ مستحب؛ وفعله قبل البلوغ أفضل من تأخيره إليه.