الفراشة بالوانها الزاهية وخفة وزنها وأناقتها استلهمت الأنظار والكتاب والشعراء، فهي صورة من الصور الجميلة في هذا الكون العظيم الذي يستلهم الشاعر أبياته منه، لما يكتنزه من مناظر خلابة في السهول والأودية والغابات، فالشاعر يقول كلمته الأنيقة لما يراه في هذا الكون من مناظر وجمال فيضعها بكلمات جميلة تليق بذلك الجمال، ومن الكائنات التي شغلت الشعراء أو بعضهم هي الفراشة التي قيل عنها قصائد جيدة ومنها غير ذلك، والوقوف على أجنحتها لا يقدر عليه إلا أصحاب القدرة الشعرية الفذة فهي تملك أجنحة لا تحتمل إلا الكلمات ذات إيقاع خاص يتناسب مع حياتها وتحليقها في فضائها الخاص، فالوقوف على أجنحة الفراشة وحياتها وتحركاتها قد جذبت بعض الشعراء من ضمن هؤلاء الشاعرة بروين حبيب (1) في قصيدتها الفراشة وكذلك الشاعر جنيد محمد الجنيد (2) والذي تحمل قصيدته أيضا اسم الفراشة، فكل من هاتين القصديتين تترك للقارئ صورة الفراشة وكيف يكمن الجمال في كلمات الثاني أي الشاعر الجنيد ويبدأ الضعف في الأول للشاعرة بروين، والتي بقصيدتها كسرت أجنحة الفراشة ولم تستطع كلمات الفراشة أن تحلق على رحيق الزهرة ويشمها القارئ والاستمتاع بندى الصباح، والتي بدأت كلمات دون تألق في الخيال والحسن في القصيدة اسمها (الفراشة) أما بقية الكلمات فقد خذلت صاحبتها في التعبير حيث تقول في قصيدتها: الفراشة تختار جيئتها وذهابها، تختار جناحها، وتختار تخطفها ففي هذه الكلمات لا يستمتع القارئ ولا يحلق به الخيال، ومن المعروف أن الإنسان أو أي كائن حي مثل الفراشة تختار اتجاهاتها إلا إذا وقع حادث أعاق ذلك الاتجاه، ومن البديهي أن الفراشة لا تختار جناحها، فالله يصورها كما يشاء وهو يختار لها اللون والهيئة الكاملة وهنا تبقى الكلمات خجولة عن التعبير الشعري، خاصة عندما تقول الشاعره: تختار تخطفها، فماذا تقصد بهذه الكلمة تختار تخطفها فالخطف غير واضح المعنى وما المقصود به؟. وتقول الشاعرة في نفس القصيدة: لكن الزهرة فتنة الفراشة والظل ريشتها. أن الزهرة فتنة الفراشة وهذا تشبيه لا بأس به ولكن يظل غير عميق أو جديد والكل يعرف العلاقة بين الزهرة والفراشة والفتنه بينهما، إلى أن تقول في القصيدة مرة أخرى: وفي مساقط الضوء في المدى مخطوفًا لم افهم ما هو المخطوف في هذه الكلمات؟ إلى أن تقول الشاعرة: والحركة راعشة أتولد، كما يفعل يوم يتيم في عالم يتيم. فمن هذه الكلمات للشاعرة بروين حبيب تبدو فراشتها بلا أجنحة فكلما تحاول الطيران والتحليق في سماء الكلمة تخذلها الأجنحة المتكسرة فظهرت الفراشة في قصيدة بروين فراشة مشوهة الملامح فلا هي تطير وتعانق الفضاء وتصل إلى الزهرة ولا الزهرة ة تبدو في القصيدة ذات جاذبية للفراشة فبدأ الاثنان أي الفراشة والزهرة يتيمتين ولم يحصل بينهما اللقاء وكيف لفراشة بدون أجنحة أن تحلق على الزهرة، وكيف للزهرة أن تحتضن فراشة تبدو غير الفراشة المعتادة التي تتراقص بأجنحتها بخفه ويبدو بينهما الانسجام كالمعتاد ولكن فراشة حبيب لا تحاكي الزهرة وكأن بينهما عداوة منذ الأزل. أما الوقوف والقراءة على أجنحة فراشة جنيد محمد الجنيد تعطي للقارئ الاستنتاج والابحار في عالم الخيال لما تحمله تلك الفراشة من كلمات أنيقة كأناقة أجنحتها الملونه وهنا تأتي الكلمات حاضرة حيث يقول جنيد: الفراشة يبهجها الضوء، تمضي تشكل مسرحها في الفضاء، تحط على زهرةٍ الضوء في القصيدة يظهر أن حياة الفراشة الحقيقة تبدأ في الصباح الباكر، فهي تتراقص بأجنحتها في الفضاء مسرحها الخاص الرحب ويقف الإنسان شاهدًا على هذا التحرك والطيران الفاتن للفراشة والتي يشاهدها الإنسان في النهار وعلاقتها قوية في بالصباح خلاف الليل الغامض الذي يسكن الكون ويبهم حياة الكثير من الكائنات، اننا مثل الفراشة التي يكاد المرء أن يراها عندما يسدل الليل ستاره. والشاعر هنا صور الفراشة والزهرة كتوأمتين لا يستطيع احداهما أن تعيش بدون الأخرى فحياة الفراشة باقية ببقاء الزهرة والطبيعة الجذابة، وأحلام الفراشة والزهرة هو البقاء في الحياة قريبتين من بعضهنا البعض، والتوأمتان في القصيدة أن العلاقة متينة وحياتهما واحدة يصعب التفريق بينهما أو اقصاء أحدهما عن الاخرى، أما الندى في الصباح جاذب آخر للفراشة وهو من مظاهر الصباح، كظهور الفراشة في الصباح تحلق وتخاطب الزهرة والندى، والطيور، فيقول جنيد: تحط على قطرةٍ من ندى وتقول لها: نحن هذا الصباح نطل شفافيةً ونقول: السلام على حقل أنخابنا ونذوب على كرمةٍ قطَّرتنا على صورةٍ لثمالتنا في الغصون تحط على طائرٍ وتقول له: مثلما للملاك جناحان، نحن لنا، ولنا مثله طيبة ونقاء، لنا أن نرى في السماء طمأنينةً حين نرنو إلى قمرٍ حولنا ونصفق للحب وهو يمد جناحيه في كل حين فالقراءة والوقوف على أجنحة فراشة جنيد محمد الجنيد تجعل القارئ يحلق على خيال الكلمات وتمنحك الوقت لكي تلوج في معانيها، وهي قصيدة طويلة ويوجد خطاب بين الفراشة مع الوتر والتناغم والألحان بينهم وكذلك عندما تخاطب الفراشة المرأة والعاشق والحياة بكل مكوناتها، ويستنتج القارئ منها عدة دلالات وتخلق القصيدة كلمات وحروفا منسجمة مع طبيعة الفراشة والزهرة والندى والطير والفضاء الذي تحوم فيه والتي لا نعلم عنه إلا القليل لأن الفراشة كائن جميل وخفيف، وعميق بجماله واسرار تحركاتها ذهابا وايابا فصور الشاعر جنيد جزءا من حياة الفراشة وصورا عدة تليق بجمالها وأناقتها، خلاف فراشة روبين التي فراشتها لا تتحمل أجنحتها الوقوف والقراءة عليها، فإذا وقف القارئ عليها بدأت الاجنحة والكلمات ضعيفة مشتته والزهرة بدأت علاقتها يتيمة بالفراشة وغامضة، وفضاء الفراشة في قصيدة بروين غير حاضر وكأن الفراشة تحلق وحيدة، وتشعر بالكآبة والوحدة فلا الزهر يخاطبها ولا الندى يأسرها، ولا الطير يجمعه بها، فهي فراشة خارج الحياة والفضاء الوسيع وينقصها أشياء كثيرة لتكون تلك الفراشة الأنيقة. --------- هوامش: 1- بروين حبيب شاعرة من البحرين صدر لها ديوان شعري بعنوان الفراشة، مع مجلة دبي الثقافية شهر أكتوبر لعام 2012. 2- جنيد محمد الجنيد شاعر من اليمن مواليد حضرموت وأستاذ أكاديمي في جامعة عدن له عدة قصائد منشورة في الصحف اليمنية والعربية، وله عدة دواوين شعرية مثل أعراس الجذور، حوارية طائر الرماد. ---------- [email protected]