هذه العبارة يقولها بعض الناس هداهم الله إذا رأى شيئا منفرًا فيقول لصاحبه أو طفله (اقرفتنا الله يقرفك). ولو تأملنا هذه العبارة جيدا لعلمنا فُحش معناها وقبح مدلولها، وللعلم (يقرفك) يعني في اللهجة الدارجة بين الناس يُقَذِرك أو يُلَوثك. قال أبو بكر الانباري في الزاهر في معاني كلمات الناس (1/ 465): "قولهم: قد قَرَفَ فلانٌ فلانًا، معناه: قد ألصق به عيبًا، وأكسبه ذمًّا. قال أبو العباس: من ذلك الحديث الذي يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة رضي الله عنها: (إنْ كنتِ قارفتِ ذنبًا فتوبي إلى الله منه)". والكلمة المذكورة أعلاه لا يجوز قولها ولا تليق بالله جل وعلا، فالله سبحانه له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وله جل وعلا صفات الجلال والجمال والكمال. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا) رواه مسلم. وعن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ طِيبٌ يُحِبُّ الطِّيبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ، فَنَظِّفُوا بُيُوتَكُمْ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ الَّتِي تَجْمَعُ الْأَكْنَافَ فِي دُورِهَا" رواه ابو يعلى في مسنده، وفي سند الحديث مقال. قال ابن الجوزي في كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 572): هَذَا إِخْبَار عَن كَمَال صِفَاته الَّتِي لَا يدخلهَا نقص وَلَا عيب، كَمَا أَن الله جميل. وقال الشيخ محمد فؤاد عبدالباقي في تعليقه على صحيح مسلم (7/ 100):(إن الله طيب) قال القاضي: الطيب في صفة الله تعالى بمعنى المنزه عن النقائص وهو بمعنى القدوس وأصل الطيب الزكاة والطهارة والسلامة من الخبث. وقال ابن رجب جامع العلوم والحكم (1/ 258): وَالطَّيِّبُ هُنَا: مَعْنَاهُ الطَّاهِرُ. وعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ" رواه مسلم. قال النووي في شرحه على مسلم (2/ 90): معناه أَنَّ كُلَّ أَمْرِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَسَنٌ جَمِيلٌ وَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَصِفَاتُ الْجَمَالِ وَالْكَمَالِ. وقال المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 250): (إِن الله جميل) لَهُ الْجمال الْمُطلق جمال الذَّات وجمال الصِّفَات وجمال الْأَفْعَال. فهذه صفات ربنا جل وعلا كلها صفات جلال وجمال وكمال فكيف يليق بمسلم أن يصف ربه جل وعلا بصفات لا يرضى احد من البشر أن يُوصف بها. وفق الله إخواني الكرام للقول النافع والعمل الصالح.