الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد،،، يوجد في الأحكام الشرعية أحكام لا تقبل التبعيض والتجزئة، فإذا اختار المسلم المكلف بعضها أو جزءًا منها فإن هذا الاختيار يعد اختيارًا للكل، وإذا أسقط بعضها أو جزءًا منها فإن هذا الإسقاط يعد إسقاطًا للكل، أما ما يقبل التبعيض والتجزئة فإن اختيار البعض أو إسقاطه يتوجه لذلك البعض فقط، ولا يتعداه إلى غيره. ومن الأمثلة التوضيحية لهذه القاعدة الفقهية الطلاق، فإن الشرع يجيز للزوج أن يطلق طلقة أو طلقتين أو ثلاث، ولا يوجد في الشرع بعض طلقة، فإذا أوقع الزوج على زوجته نصف طلقة مثلا، فإن الزوجة يقع عليها طلقة كاملة؛ لأن الطلاق لا يتبعض، وبالتالي فإن إيقاع بعض طلقة يعد إيقاعا لطلقة كاملة. ومما يشبه إيقاع بعض طلقة على الزوجة ما لو أوقع طلقة كاملة على بعضها، كأن قال الزوج لزوجته: طلقت بعضك، فتقع طلقة على الزوجة. ومن الأمثلة التطبيقية لهذه القاعدة ما إذا عفا مستحق القصاص كأب المقتول عن بعض القاتل، أو عفا بعض مستحقي القصاص كأبناء المقتول عن القاتل، ففي هاتين الصورتين يسقط القصاص كاملا عن كل القاتل؛ لأن القاتل لا يمكن تبعيضه في الصورة الأولى؛ ولأن القصاص لا يمكن تبعيضه أيضا في الصورة الثانية، ويتم الانتقال إلى الدية، وفي هذه الحالة إذا عفا مستحق القصاص عن بعض الدية، أو عفا بعض مستحقي القصاص عنها، ففي هاتين الصورتين يسقط بعض الدية؛ لأنها تقبل التبعيض. ومن الأمثلة التطبيقية لهذه القاعدة أيضا ما لو ملك رجلان عقارا مناصفة بينهما شائعا، فباع أحدهما نصيبه، فإن الشريك الآخر تثبت له الشفعة في النصف المباع كاملا، فإذا اختار الشفعة في بعض النصيب سقط حقه في الشفعة؛ لأنها لا تقبل التبعيض. ومن الأحكام الشرعية المتعلقة بهذه القاعدة حكم الظهار، وهو أن يقول الزوج لزوجته: أنت عليَّ كظهر أمي، يعني أن يحرِّم على نفسه أن يعلو ظهر زوجته كما يحرم عليه أن يعلو ظهر أمه، فاعتبر الشرع هذا ظهارا، فيحرم على الزوج أن يباشر زوجته، ولا يختص التحريم بظهرها، ولا يجوز له أن يباشرها إلا بعد أن يكفر الكفارة المذكورة في سورة المجادلة.