عندما يرضى المكلف- البالغ العاقل - بشيء فإن رضاه يقتضي أنه راضٍ عما يترتب عليه وينتج عنه، فعلى سبيل المثال لو اشترى رجل سلعة، فظهر فيها عيب، فإنه يجوز له رد المبيع وإلغاء الصفقة، فإذا رضي بالعيب فقد لزم البيع، فإذا ترتب على هذا العيبِ عيبٌ آخر بسببه، فإنه لا يجوز له التراجع في الصفقة؛ لأن رضاه الأول يقتضي أنه راضٍ عما يترتب عليه. ومما يشبه هذه القاعدة الفقهية قاعدة «المتولد من مأذون فيه لا أثر له»، ومن تطبيقاتها أن السارق إذا أقيم عليه الحد فقطعت يده، فأدى هذا إلى موته، فإنه لا ضمان يترتب على موته؛ لأن قطع يده مأذون فيه شرعا، وما تولد من مأذون فيه لا أثر له. ومن الأمثلة التطبيقية لهذه القاعدة أن الشرع أجاز للمحرم أن يتطيب قبل إحرامه، وقد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة رضي الله عنها: كأني أنظر إلى وبيص الطيب - أي بريق الطيب - في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم، رواه البخاري ومسلم، فإذا تطيب ثم أحرم بنية الدخول في النسك، فسرى الطيب إلى موضع آخر من جسده فلا فدية فيه. ومن تطبيقاتها أيضا ما لو توضأ الصائم، فتمضمض واستنشق بلا مبالغة، فسبق شيء من الماء إلى جوفه، فإن صومه صحيح ولا يبطل؛ لأن المضمضة والاستنشاق مأمور بهما في وضوء الصائم، أما لو بالغ فيهما، فسبق شيء من الماء إلى جوفه بسبب المبالغة، فإن صومه يبطل؛ لأن المبالغة منهي عنها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما»رواه النسائي وأبو داود والترمذي وابن ماجه. ومن تطبيقاتها أيضا ما لو استعار رجل عارية لاستخدامها في أمر أذن فيه صاحبها، فاستخدمها المستعير فيما أذن له فيه، فتلفت بنفسها أثناء الاستخدام، فإنه لا يضمنها لصاحبها، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «بل عارية مضمونة» رواه أحمد والحاكم، فالمقصود منه ضمانها في غير الاستعمال المأذون فيه. إلا أن هذه القاعدة الفقهية يستثنى منها ما لو كان الفعل المأذون فيه مشروطا بسلامة العاقبة، فلو ترتب على هذا الفعل ضرر فإن الفاعل يضمنه، فإذا ضرب المعلم تلميذه، فأدى هذا إلى ضرر، فإن المعلم يضمن الضرر؛ لأن تأديب المعلم لتلميذه مشروط بسلامة العاقبة، ولو فتح المجال للمعلم أن يسلك ما شاء من طرائق التأديب لنتج من ذلك ضرر كبير على المتعلمين.