سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عن الدولة المدنية مرة أخرى 2-2 ضمنت الدولة المدنية حرية الاعتقاد، ولم تحل بين أحد وبين ممارسة شعائره في العلن، فكيف تكون الدولة المدنية مضادة للدين إذن..؟!
في مقال الأمس تحدثت بصورة أكثر تفصيلاً عن عدم دقة التعريف الذي يختزل العلمانية في كونها دعوة للفصل بين الدين والدولة. والحقيقة أن العلمانية لم تتعاط مع مسألة الدولة في بداية نشأتها، لأنها كانت مهتمة بالفصل بين ما هو غيبي وما هو واقعي، تمهيداً لإسقاط منهج الكنيسة المعرفي في تفسير الواقع عبر إحالته للغيب، وإحلال منهج العلم كبديل له في هذا الشأن. فيما يتعلق بالعلمانية السياسية؛ فقد قدمت العلمانية نموذج الدولة المدنية المناهض لنموذج الدولة الفاشية القائمة على العنصرية العرقية، والتمييز العقائدي، والحتمية الأيديولوجية التي تحارب مبدأ الاختلاف على كل المستويات. وهكذا فقد كانت الدولة الشيوعية اللا دينية مثالاً على الجبر الأيديولوجي، وهو ما استتبع التضييق على المتدينين ومراقبة دور العبادة وتهميش مرتاديها، الذين اضطر عدد كبير منهم لإخفاء حقيقة تمسكهم بالدين. وبالعودة إلى ما حدث خلال الثورة الثقافية في الصين، سنجد أن دور العبادة تم استهدافها، باعتبارها مركزاً لتكريس (الرجعية) ووسيلة لاستمرار سيطرة الإقطاعيين والبورجوازيين على المجتمع. أما في الدولة الدينية الفاشية كما هو الحال مع نموذج طالبان، فقد حرم المتدينون الذين يحملون رؤية تختلف مع الرؤية الطالبانية من حريتهم الدينية، وتعرضوا لاضطهاد مخيف وتمت ملاحقتهم ومطاردتهم، بل واستهدافهم بالقتل بعد انتشار فتاوى تهدر دماءهم وتستبيح أعراضهم وممتلكاتهم. بالمقابل ضمنت الدولة المدنية حرية الاعتقاد، ولم تحل بين أحد وبين ممارسة شعائره في العلن دون أن تنتقص من حقوقه شيئاً، فكيف تكون الدولة المدنية مضادة للدين إذن..؟! وأكثر من ذلك فقد سمحت الدولة المدنية في العديد من البلاد، بإنشاء الأحزاب المسيحية التي تستوحي مبادئها العامة من القيم المسيحية، فدافعت عن كيان الأسرة، ووقفت في وجه نزعات التحرر المبالغ فيها والتي تتمثل في حرية الإجهاض وتشريع الشذوذ الجنسي. وفي أمريكا فإنه ليس سراً أن الكنيسة تتدخل في الحملات الانتخابية لتعبئة جمهور المتدينين للتصويت للحزب الجمهوري المعروف بمحافظته.. فكيف يمكن أن نقول إذن بأن الدولة المدنية في الغرب أقصت الدين ولم تسمح باستلهام مبادئه العامة لدى الأحزاب اليمينية المحافظة؟! الدولة المدنية هي التي يفرّ إليها المضطهدون دينيا من كل أرجاء الدنيا. أليست هذه هي الحقيقة؟! [email protected]