هذا الحوار يدعو اتباع الديانات السماوية من المسلمين والمسيحيين واليهود في الأساس إلى مراجعة تصوراتهم التاريخية النمطية عن الطرف الآخر، من خلال إعادة النظر في المناهج التعليمية والخطاب الديني والثقافي والإعلامي. والهدف من ذلك هو بناء قاسم مشترك أعظم في حياة أتباع الأديان يكون أساسه التضامن يجابه ثقافة الكراهية ويحارب التعصب والفكر المتشنج. حيث كانت إرادة الملك فيصل -يرحمه الله- والبابا بولس السادس عبر مستشاريهما الخاصين سبب في تعزيز مسيرة الحوار بين الأديان، ففي مارس 1972 نظمت وزارة العدل السعودية ثلاث ندوات للحوار في مدينة الرياض مع وفد من كبار رجال القانون والفكر المسيحي في أوروبا ثم وفي أكتوبر 1974 تكرر اللقاء في مدينة الفاتيكان واستكمل البحث حول المسائل التي لم تتسع لها ندوات الرياض، وفى عام 2007 أعادت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لمسيرة الحوار وهجها، وفى أكتوبر من نفس العام وقع 138 من المثقفين والمفكرين الإسلاميين على رسالة إلى بابا الفاتيكان بعنوان «تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم» بينوا فيها الرؤية الإسلامية لحوار الأديان وما سببته الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، وما تسببه التصرفات غير المسؤولة التي تحاول النيل من المقدسات. وقد دعا المشاركون في أعمال القمة الدولية للحوار بين أتباع الأديان التي دعت إليها المملكة بمبادرة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والتي انطلقت في الثاني عشر من نوفمبرعام 2008 ونظمتها منظمة الأممالمتحدة والمملكة العربية السعودية، إلى التعايش بين الأديان والشعوب. وبحث المشاركون في القمة التي شارك فيها نحو ستين رئيس دولة وحكومة سبل نشر ثقافة السلام عبر الحوار بين معتنقي مختلف الديانات. ودعا خادم الحرمين في كلمته أمام الاجتماع إلى التعايش بين الشعوب وتجاوز نقاط الخلاف بين أتباع الأديان والثقافات، معتبرًا أن التركيز على الخلاف أدى إلى التعصب وإلى «حروب مدمرة لم يكن لها مبرر». واعتبر حفظه الله «كل مأساة يشهدها العالم اليوم هي ناتجة عن التخلي عن مبدأ عظيم من المبادئ التي نادت بها كل الأديان والثقافات». وقال إن هذا الحوار بين الأديان إن تم «بطريقة حضارية كفيل بإحياء القيم السامية وترسيخها في نفوس الشعوب والأمم»، مشيرا إلى أن «الأديان التي أراد بها الله عز وجل إسعاد البشر لا ينبغي أن تكون من أسباب شقائهم». ومنذ أن أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز مبادرته تفاءلت شعوب العالم بمستقبل أفضل مبني على السلام والتسامح والاعتدال وترجم المسؤولون السياسيون ووسائل الإعلام أمنيات شعوبهم بالإشادة بالدور الكبير الذي يلعبه خادم الحرمين الشريفين في تهدئة الأوضاع غير المستقرة التي أفرزتها محاولات لإذكاء صراع بين الديانات وصدام بين الحضارات، فقد مثلت مبادرة خادم الحرمين الشريفين انطلاقة لأمل جديد ينبذ التعصب ويزيل الخلافات والتوترات التي طالما دفعت الشعوب ثمنها غاليًا. وعبر العالم من شرقه إلى غربه عن استعداده للمساهمة في بناء هذا الأمل. وما زاد من جرعة الأمل كلمات خادم الحرمين - حفظه الله - خلال المنتدى السادس لحوار الحضارات بين اليابان والعالم الإسلامي الذي عقد بعنوان «الثقافة واحترام الأديان» في 18 ربيع الأول 1429 ه الموافق 24 مارس 2008 حيث قال «شاهدت مثل اجتماعاتكم الآن والحوار بين الأديان وإلى آخره، ففكرت بشيء لا أخفيه عليكم وكلكم تحسون به، كل من اتجه إلى ربه عز وجل من قلب صادق أمين واف لدينه وللأديان والأخلاق الإنسانية، ولهذا كان في بالي أن أزور الفاتيكان، وزرتها وقابلت البابا، وأشكره فقد قابلني مقابلة لن أنساها، مقابلة الإنسان للإنسان، وفعلًا اقترحت عليه هذه الفكرة وهي الاتجاه إلى الرب عز وجل، بما أمر به في الأديان السماوية التوراة والإنجيل والقرآن، نطلب من الرب عز وجل أن يوفقنا جميعًا في هذه الأديان للكلمة التي أمر الرب عز وجل بفعلها للبشرية ولهذا الاتجاه للرب عز وجل، وفي نفس الوقت شاهدت من أصدقائنا في جميع الدول أن الأسرة والأسرية في هذا الوقت تفككت وفي نفس الوقت سمعت أنه كثر الإلحاد بالرب عز وجل، وهذا لا يجوز من جميع الأديان السماوية لا من القرآن ولا من التوراة ولا من الإنجيل، نتجه إلى الرب عز وجل لإنقاذ البشرية مما هم فيه، افتقدنا الصدق، افتقدنا الأخلاق، افتقدنا الوفاء، افتقدنا الإخلاص لأدياننا وللإنسانية، والأسرية أنتم أعلم بها، تفككت مع الأسف، الإنسان أعز ما عنده أبناؤه، إذا بلغ الشاب أو الشابة 18 سنة ودع أباه وأمه وذهب في مسائل لا تتقبلها الأخلاق ولا العقيدة وفوق هذا وذاك الرب عز وجل» ومن كلمات خادم الحرمين خلال افتتاحه فعاليات «المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار» الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي في مكةالمكرمة بتاريخ 07/06/2008: «سيكون الطريق للآخر من خلال القيم المشتركة التي دعت إليها الرسالات الإلهية، والتي أنزلت من الرب عز وجل وتعالى ، لما فيه خير الإنسان والحفاظ على كرامته، وتعزيز قيم الأخلاق، والتعاملات التي لا تستقيم والخداع، تلك القيم التي تنبذ الخيانة، وتنفر من الجريمة، وتحارب الإرهاب، وتحتقر الكذب وتؤسس لمكارم الأخلاق والصدق والأمانة والعدل، وتعزز مفاهيم وقيم الأسرة وتماسكها وأخلاقياتها التي جار عليها هذا العصر وتفككت روابطها، وابتعد الإنسان فيه عن ربه وتعاليم دينه. وفى يوليو من عام 2008 انطلقت أولى فاعليات مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لحوار أتباع الأديان بانعقاد مؤتمر مدريد الذي ترأسه خادم الحرمين الشريفين حفظه الله مع ملك اسبانيا خوان كارلوس، ودعا المؤتمر لتأصيل لمبادئ الحوار وإطلاق مبادرة تهدف إلى تشارك الديانات السماوية الثلاث في تحمل العبء الأخلاقي عند ظهور الأزمات الكبرى. وفي 27 أكتوبر 2008 أيد الاجتماع الرابع لمجموعة الرؤية الإستراتيجية مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي دعا إلى عقد مؤتمر «حوار الأديان والحضارات» في الأممالمتحدة وأهمية دور الأديان والثقافات في ترسيخ القيم الإنسانية السامية والأخلاق الفاضلة وضرورة استعادتها لهذه الرسالة التي غابت بسبب المتغيرات الدولية المعاصرة. مركز الملك عبد الله ويعتبر مركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات ثمرة جهود جبارة بذلها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وتمت بالتنسيق مع إسبانيا منذ عام 2008م، ويمثل تجسيدًا لفكرة وطموح خادم الحرمين الشريفين للحوار الايجابي البناء بين أتباع الأديان، كما يحظى المركز وجهوده باهتمامات القادة والمفكرين والباحثين والمؤسسات الثقافية في عالم تسوده الصراعات والشقاق والحروب وكون الحوار يشكل الحل الأنسب لكل هذه الأزمات. وقد دعا خادم الحرمين الشريفين بوضوح إلى جعل الحوار أداة فعالة لحل الخلافات حيث اعتبر إنشاء المركز فرصة ثمينة لكافة مكونات المجتمع الروحية والدينية والثقافية لتعزيز التقارب بينها واعتبار أنه لا بديل عن حوار مفتوح بين الحضارات. وكان مجلس الوزراء قد وافق في جلسته التي عقدت برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في شوال 1432ه، على تفويض صاحب السمو الملكي وزير الخارجية أو من ينيبه للتباحث مع الجانب الإسباني والنمساوي والدول الأخرى والمنظمات الدولية التي تقتضي المصلحة التباحث معها في شأن مشروع اتفاقية تأسيس مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات والتوقيع عليها. وبالفعل قام صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية بالتوقيع على اتفاقية إنشاء المركز بالعاصمة النمساوية فيينا في 15 ذي القعدة 1432ه الموافق 13 أكتوبر 2011م. ووافق البرلمان النمساوي على بنائه بتمويل المملكة. ويترأس مركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات معالي الأستاذ فيصل بن عبدالرحمن بن معمّر ويضم المجلس هيئة إدارية مكونة من 9 أشخاص تمثل الأديان السماوية والمعتقدات الرئيسة في العالم، كما تتضمن الوثيقة التأسيسية إشارة إلى إرساء منتدى استشاري للمركز مكون من مئة شخصية من أتباع الديانات الرئيسة في العالم، وإرساء أمانة عامة تتابع الأنشطة اليومية للمركز وتتخذ من فيينا مقرًا لها.والمركز لا يركز على ديانات أو معتقدات محددة وإنما هو كما أراد صاحب الفكرة الأولى لإرسائه خادم الحرمين الشريفين لخدمة البشرية كافة ولحفز التقارب ونبذ الخلافات وتقريب وجهات النظر وتعزيز المصالحة.