السيوفي: اليوم الوطني مناسبة وطنية عظيمة    مئوية السعودية تقترب.. قيادة أوفت بما وعدت.. وشعب قَبِل تحديات التحديث    المملكة تتصدر دول «العشرين» في نسبة نمو عدد السياح الدوليين    النفط يسجل مكاسب أسبوعية 4 % مع خفض أسعار الفائدة الأميركية    البنية التحتية الرقمية في المملكة.. تفوق عالمي    279,000 وظيفة مباشرة يخلقها «الطيران» في 2030    "متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح والسلام في السودان" يؤكد على مواصلة العمل الجماعي لإنهاء الأزمة في السودان    فرنسا تعلن تشكيل حكومة يمينية جديدة برئاسة بارنييه وسط انتقادات سياسية حادة    أمريكا: نحذر من انهيار البنوك الفلسطينية    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الجزائري الأوضاع في غزة    ريال مدريد يسحق إسبانيول برباعية ويقترب من صدارة الدوري الإسباني    «ميترو قول» يواصل صدارة هدافي روشن    في كأس الملك.. الوحدة والأخدود يواجهان الفيصلي والعربي    خادم الحرمين لملك البحرين: نعزيكم في وفاة خالد آل خليفة    أمانة القصيم توقع عقداً لنظافة بريدة    "طويق" تحصل على شهادة الآيزو في نظام الجودة    «التعليم»: منع بيع 30 صنفاً غذائياً في المقاصف المدرسية    وداعاً فصل الصيف.. أهلا بالخريف    "سمات".. نافذة على إبداع الطلاب الموهوبين وإنجازاتهم العالمية على شاشة السعودية    دام عزك يا وطن    بأكبر جدارية لتقدير المعلمين.. جدة تستعد لدخول موسوعة غينيس    "قلبي" تشارك في المؤتمر العالمي للقلب    فريق طبي بمستشفى الملك فهد بجازان ينجح في إعادة السمع لطفل    اكتشاف فصيلة دم جديدة بعد 50 عاماً من الغموض    لا تتهاون.. الإمساك مؤشر خطير للأزمات القلبية    مسيرة أمجاد التاريخ    نوابغ المستقبل.. مبرران للفخر    الملك سلمان.. عنوان العمل الإنساني !    هنأت رئيسي مالطا وأرمينيا وحاكم بيليز.. القيادة تعزي ملك البحرين    خيسوس: المستوى الذي وصلنا له صعب على أي فريق أن يتغلب علينا.. والهلال بحاجة ملعب خاص به    ليكن التغيير لإحداث الفرق يا نصر    تعزيز أداء القادة الماليين في القطاع الحكومي    القيادة تعزي ملك البحرين في وفاة الشيخ خالد بن محمد بن إبراهيم آل خليفة    "الداخلية" توضح محظورات استخدام العلم    "الداخلية" تحتفي باليوم الوطني 94 بفعالية "عز وطن3"    مركز الملك سلمان: 300 وحدة سكنية لمتضرري الزلزال في سوريا    ضبط 22716 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    فلكياً.. اليوم آخر أيام فصل الصيف    «الخواجات» والاندماج في المجتمع    لعبة الاستعمار الجديد.. !    فأر يجبر طائرة على الهبوط    صور مبتكرة ترسم لوحات تفرد هوية الوطن    الملك سلمان.. سادن السعودية العظيم..!    خمسة أيام تفصل عشاق الثقافة والقراء عنه بالرياض.. معرض الكتاب.. نسخة متجددة تواكب مستجدات صناعة النشر    تشجيع المواهب الواعدة على الابتكار.. إعلان الفائزين في تحدي صناعة الأفلام    مجمع الملك سلمان العالمي ينظم مؤتمر"حوسبة العربية"    مصادر الأخبار    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. تنظيم المسابقة المحلية على جائزة الملك سلمان    حل لغز الصوت القادم من أعمق خندق بالمحيطات    نسخة سينمائية من «يوتيوب» بأجهزة التلفزيون    يوم مجيد لوطن جميل    أحلامنا مشروع وطن    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة يستأصل بنجاح ورماً ضاغطاً على النخاع الشوكي    شرطة الشرقية: واقعة الاعتداء على شخص مما أدى إلى وفاته تمت مباشرتها في حينه    بلادنا مضرب المثل في الريادة على مستوى العالم في مختلف المجالات    أبناؤنا يربونا    خطيب المسجد النبوي: مستخدمو «التواصل الاجتماعي» يخدعون الناس ويأكلون أموالهم    رئاسة اللجان المتخصصة تخلو من «سيدات الشورى»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلمي: اختيار الأيسر في الفتوى "مخالف".. وإعطاء الناس حرية التحاكم إلى غير شريعة الله "ردة"
نشر في المدينة يوم 23 - 11 - 2012

لم تنفك أصوات تندد وتحذر مما يسمى "التغريب" وكل ما يمت له بصلة أو يفضي إليه من قريب أو من بعيد بحسب هؤلاء؛ ففتاوى التيسير، ودعاوى التعايش والحوار مع الآخر، مرورًا بالديمقراطية وتفصيلاتها، وليس انتهاءً بدعوى "سيادة الأمة" كل ذلك وغيره كان ولا يزال مرمى سهام ومحط تشكيك دعاة ومفكرين وأكاديميين، متوسلين إلى ذلك بنظر منهجي ونقد علمي حاد في أحايين كثيرة، وفي هذا الحوار نساجل أحد هذه الأصوات رئيس مركز (التأصيل للدراسات والبحوث) والأستاذ المساعد بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة أم القرى عبدالرحيم صمايل السلمي حول تلك القضايا وغيرها، فإلى تفاصيل الحوار...
من يقرأ إنتاج المركز يلحظ أن لديكم تصادم مع الآخر، ابتداءً "بالعلمانيين" و"الحداثيين" حتى من داخل التيار الإسلامي، هل لديكم مشكلة مع الآخر؟
مصطلح الآخر مصطلح فضفاض عام، نحن لدينا يقين أن منهج أهل السنة والجماعة هو المنهج الحق، ولذلك كانت منهجية علماء السنة من القديم حماية المنهج الشرعي من أي عدوان عليه مثل ما كان من عدوان الفرق الضالة عبر التاريخ أو التيارات الفكرية المعاصرة مثل العلمانية والاشتراكية وغيرها، لذلك نحن عندما نتكلم عن الآخر، لا بد من تحديد من هو الآخر؟ إذا كان الآخر مجتهدًا اجتهادًا شرعيًا مقبولًا فهو داخل في حديث النبي عليه الصلاة والسلام "إذا اجتهد المجتهد فأصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر"، لكن الآخر إذا كان ممن يقوم بالابتداع في الدين فنقوم بالرد عليه، وهناك منهجية في التعامل مع الآراء المخالفة لأصول الدين؛ فهناك التعامل مع البدع المغلظة والبدع غير المغلظة، وبعضها - مثل العلمانية - نقض لأصل الدين ونقض لمشروعية الإسلام كمنهج للحياة فهذه لا يجوز التعامل معها كاجتهادات فكرية، وبالعموم هناك تفصيل شرعي طويل في التعامل مع الآخر، فعندما نتحدث عن بيان المنهج الشرعي وتربية الأمة عليه والنصح به فهذا لا مجال فيه إلا توضيح الحق للناس والرد على كل مخالف له، أما ما يتعلق بالتعامل الشخصي فهذا يختلف بحسب الآخر فهل هو مثلًا فكر منظم يقوم بدفع الناس إلى الباطل أو هو فرد مجتهد أخطأ، وكذلك يختلف مقام الدعوة إلى الحق عن مقام النهي عن المنكر، فالقضية ليست كما يطرحها البعض بأن لك موقفًا من الآخر وانتهى الأمر !!.
لكن من يتابع إنتاج المركز يلحظ أن هناك خطًا أحاديًا يقصي كل الآخر عدا من يتبنى هذا الخط، هل فكرتم في استضافة من يخالفكم لمحاورته ومناقشته حتى من داخل التيار الإسلامي؟
أنا أختلف معك تمامًا في ما تقول إنه (خط أحادي)، وأنا فرقت في البداية بين المخالفين من المسلمين المجتهدين الذين لهم رؤى مختلفة داخل دائرة السنة وغيرهم من أهل البدع والتيارات الفكرية، ونحن لا نخالف الآخرين في رؤى فكرية مجردة، ولكن نرد ونخالف من يتجاوز الأحكام الشرعية وينابذها.
حتى هؤلاء المجتهدين هل فكرتم في مناقشتهم مثلًا في مواضيع مثل الديمقراطية والحداثة وغيرها، بعض العلماء والمفكرين قبلها بشكل أو بآخر وكيفها على البيئة المحلية؟
طبعًا هناك فرق بين الاجتهاد وقضية الديمقراطية والحداثة، فهي كفكر وفلسفة مناقضة للدين أساسًا، وليست مسائل اجتهادية، وبناءً عليه فليس هناك مجال لأن نوفق بين الإسلام وأفكار تناقضه من الأساس؛ لذلك الذين يجمعون بين الأفكار والفلسفات الغربية وبين الإسلام هؤلاء في الحقيقة يجهلون حقائق هذه الأفكار ويجهلون حقيقة الإسلام كذلك، لكن الأشخاص الذين يجتهدون ويكون لهم موقف من آليات الديمقراطية هذا يختلف من حال إلى حال؛ فمن الناس من يقول مثلًا أنا أفرق بين آليات الديمقراطية وفلسفتها فيرفض الفلسفة باعتبار أنها مناقضة للتشريع الإسلامي ويقبل الآليات؛ فهذا الخلاف معه يسير ولا نقول إنه علماني أو ضال، وإن كنت أرى أنه مخطئ، أما من يرى السيادة المطلقة للشعب بمعنى أن لهم حق مخالفة الشريعة فهذا فكر يناقض أساس الدين والاستسلام لله تعالى، وبالتالي لا يعتبر من المجتهدين بل من العلمانيين.
هل لديكم مشكلة مع الديمقراطية كآليات؟
نعم هناك إشكال علمي معروف حول آليات الديمقراطية وقد بينته في كتابي "حقيقة الليبرالية"، وهذه الإشكاليات تكلم فيها المفكرون الغربيون من نقاد الديمقراطية والحداثة.
وهل لديكم مشكلة في إتاحة الحرية لقيام مجتمع مدني، وفي اختيار الناس لمسؤوليهم؟
نحن لدينا في المنهج الإسلامي كفاية وغنية في مفاهيم الحرية والتعددية وغيرها من المفاهيم، ونحن لسنا فقراء حتى نستورد مثل هذه الأفكار المستنبتة في البيئة الغربية بكل أجوائها الموبوءة، والمنطلقة من مفاهيم وفلسفات مادية، نحن في المجتمع الاسلامي لدينا منهج مغاير للمنهج الغربي المادي فلدينا كفاية فيما يحتاجه الإنسان في حياته الاجتماعية، وهذا دورنا في تأصيل مثل هذه القضايا وإبرازها للناس.
لكن "الحكمة ضالة المؤمن".
نعم، لكن ليس الأصل في الفكر الإسلامي أن يستقدم الأفكار من الآخرين بحجة "الحكمة ضالة المؤمن"، وبحيث يكون كثير من أفكارنا مستوردة، أين الحكمة في هذا؟ الحكمة هي أن نبحث في الكتاب والسنة ومنهج الخلفاء الراشدين ما ينفع المسلم المعاصر في كافة مجالاته الحياتية بدلًا من الاستيراد الأعمى للأفكار والمناهج من الغرب في قضايا لدينا كفاية فيها.
لكنكم ترفضون التأصيل لقضايا مثل المجتمع المدني وحرية التعبير.
نحن لا نرفض ذلك بالعكس، نحن نقوم بتأصيلها على منهج صحيح وخذ مثالًا على ذلك: المجتمع المدني؛ كل من يقوم بالكتابة عنه في الفكر الغربي أو الفكر العربي المعاصر يبنيه على أساس مقابلته للمجتمع الديني، وبناء على ذلك فإن بناء المجتمع المدني يجب أن يكون منزوع الصلة بالدين، وهذه هي العلمانية التي نرفضها، ومن يطالبون بالمجتمع المدني يرفضون أن يوجد الدين في خلايا المجتمع أو أن تبنى حياته على الدين، أما تحريك طاقات المجتمع الأهلي تحت مظلة الشريعة فهو مطلب شرعي، فالدولة لا يمكن أن تقوم بكل شي بنفسها، بل من مصلحة الدولة أن ينمو المجتمع ويتحرك وينشط أفراده في تقديم خدمات متنوعة، ولا يكون مجتمعًا كسولًا معطلًا ولكن ذلك كله يجب أن يكون تحت مظلة الشريعة، وأي نشاط يخالف ذلك يجب أن يوقف ويرفض بل يجب على المجتمع الإسلامي ان يحتسب عليه ويرفضه وهذا ما كانت عليه المجتمعات الاسلامية في السابق فلم تكن الحسبة مربوطة بجهاز معين بل كانت دينًا يتدين الناس به وهذه هي حرية التعبير النافعة والمفيدة للمجتمع، وبهذا التفاعل المجتمعي ينضج الناس وتتطور حياتهم في ظل الإيمان والتقوى.. أما من يطرح المجتمع المدني وحرية التعبير كوسيلة لتجاوز الشرع فهذا مرفوض وهو ما ننتقده.
لكن يمكن أن تكيف مثل هذه الأفكار في بيئة إسلامية.
حقيقة نحن لدينا غنية وكفاية كما قلت في منهجنا الإسلامي، ففي قضية الحرية مثلًا، نحن لدينا نموذج مشرق ورائع للحرية في ديننا أكثر مما صدره لنا الغرب، فالحرية الإسلامية هي حرية نشر الحق بين الناس بكل أشكاله، وهذه هي الحرية النظيفة، أما الحرية الغربية فهي حرية ملوثة تتيح نشر الباطل وهذا ما نرفضه لمخالفته للشرع، فالحرية مفهوم مفتوح يجب أن يقيد بالشريعة.
نحن لدينا الأسس يادكتور لكننا لم نتقدم في بلورتها كآليات ونظم كما هو في الأنظمة الحديثة.
إن كنت تقصد آليات الديمقراطية فنحن ليس لدينا مشكلة في اختيار المسؤولين، ومحاسبتهم وخضوعهم هم والأمة جميعًا للشريعة. المشكلة الأساسية في الفكر الديمقراطي أنه يجعل السيادة المطلقة للناس. بحيث أن الناس يمكن لهم أن يشرعوا مايرونه ولو كان مخالفا للشريعة، ويرى أنه لا يمكن التدخل في هذا الأمر باعتباره حرية مقدسة، وهذا معناه أننا نجعل المجتمع إلهًا من دون الله. لكن نحن نقول إن المجتمع خاضع للشريعة، ومن خلال خضوعه يتم اختيار المسؤولين ومحاسبتهم ومراقبتهم وتطبيق الآليات التي تضمن كل ذلك وليست لدينا مشكلة فيها. فالخلاف ليس في الاختيار والمراقبة والمحاسبة والمساءلة ولكن في رفض الإلزام بتحكيم الشريعة، وإعطاء الناس حرية التحاكم الى غير شريعة الله، وهذا الفكر ردة عن الدين، كما قال تعالى:" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون".
سيادة الأمة
كيف يمكن أن نطبق تلك الآليات إذا لم تكن السيادة للأمة؟
أنت عندما تقول (سيادة الأمة) معنى ذلك أن الأمة يحق لها أن تختار أي شيء حتى لو كان مخالفًا للإسلام. والله تعالى يقول: "وماكان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم". فلا يوجد حرية ولا اختيار للشريعة بل هي ملزمة، ولا يكون الإنسان مسلمًا إلا بالإقرار بذلك.
فلا تجتمع سيادة الشريعة مع سيادة الأمة بل الأمة خاضعة لسيادة الشريعة، لأن مفهوم السيادة هو الحق المطلق الذي لا استثناء فيه في التشريع وغيره وهذا لا يكون إلا لله تعالى كما قال تعالى "إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه"
لكن عمليًا وتاريخيًا لم تختر الأمة غير الإسلام على مر العصور.
ولكن لا يجوز بتاتًا القبول بشرط يتيح التحاكم إلى غير الشريعة، لأن ذلك إقرار ضمني بجواز التحاكم الى غيرها وهذا هو الكفر المستبين.
وهل يمكن أن تجتمع الأمة بعلمائها ومفكريها وعامتها على ضلالة؟
دعوى (سيادة الأمة) واتفاقها على أمر من الأمور بهذا المفهوم خيالي وغير واقعي لأن الأمة مختلفة وآراء الناس متعددة فكيف تحتج باجتماعها في أمر تختلف فيه؟!.
لا يمكن أن تجتمع صحيح؛ لكن يمكن أن تكون هناك أغلبية، أو سواد أعظم.
إذا كان لا يمكن أن تجتمع فاحتجاجك بالاجتماع خطأ، أما دعوى السواد الأعظم أو الأغلبية فهل عندما يكون هناك تصويت معين وتكون النسبة 51% مقابل 49% هل هذه سيادة؟ وهل النسبة الأقل ليسوا من الأمة ؟ لذلك هناك إشكالية في طريقة التعامل مع هذا المفهوم وتطبيقاته، فقد تم أخذ مثل هذه الأفكار من الغرب مع أنها منقودة حتى عند المفكرين الغربيين. ولهذا تجد عددًا كبيرًا من المفكرين الغربيين يرفضون فكرة أن يكون للأمة اختيارًا واحدًا، أو أن تجبر على اختيار معين والناس مختلفون وجمعهم مستحيل، ولهذا طرح في الفكر السياسي الغربي مفهوم "استبداد الأكثرية" واتهم كثير من المفكرين الغربيين الديمقراطية بأنها نظام يرسخ الطغيان، وسبب ذلك أنهم نظروا للفئة الأخرى التي لم تنجح وقد تكون ما يقارب نصف الشعب، وهناك ملحظ آخر وهو أن الذين صوتوا ليسوا كل الأمة فهناك فئات لم تصوت مثل من كان دون سن التصويت القانوني، والذين لم يشاركوا في العملية الانتخابية وقد تصل أحيانا إلى 50% أو أكثر فهل كل هؤلاء ليسوا من الأمة؟ وهل بعد هذا يستقيم مفهوم سيادة الأمة؟
فإذن الحل هو في الخضوع لرأي الأغلبية.
أرجع وأقول هناك فرق بين تطبيق مفهوم (سيادة الأمة)، وتطبيق مفهوم (الأغلبية) لاختيار الحاكم وما شابهه؛ هذه الأخيرة قضية فقهية يمكن أن يختار الحاكم بالأغلبية، لكن الإشكال هو في معنى (سيادة الأمة) الذي يعني أن تختار الشريعة أو لا تختار؟ أو أن يتم التصويت على الشريعة، وإجماع علماء المسلمين منعقد على عدم جواز التصويت على قطعي من قطعيات الشريعة فكيف بالتصويت عليها كلها؟
حتى لو كان هناك ما يسمى بالقوانين فوق الدستورية التي لا تقبل أي مساس؟
هذا مناقض لفكرة سيادة الأمة، فوضع الشريعة موضع القوانين فوق الدستورية يتنافى مع مفهوم (سيادة الأمة)، لأن المبادئ فوق الدستورية سيكون لها السيادة على الأمة وبالتالي فلا يوجد سيادة مطلقة للأمة. أما تسيير الناس لشؤون حياتهم مع الالتزام بالشريعة فهذا لا يسمى (سيادة). وعلى العموم هذا النوع من الطرح ليس جديدًا فهؤلاء الشباب الذين يتكلمون في هذه الموضوعات هم يلخصون كتب غيرهم مثل كتاب (العقيدة والسياسة) للؤي الصافي وغيرها.
الأمة هي الأصل
هناك كتب لعلماء ومفكرين إسلاميين تطرح هذه الرؤى، مثل الريسوني في كتابه (الأمة هي الأصل)، وغيره.
د.الريسوني لديه قضية يركز عليها كثيرًا وهي أن الحكام المستبدين لا سبيل لإزالتهم إلا بالديمقراطية المعاصرة، هو لا يتحدث عن النظرية الإسلامية بل يتحدث عن واقع معين، لذلك أنا أتحدى أن يكون الريسوني يقول بأن الأمة يمكن لها أن تختار الشريعة أو ترفضها أو تصوت عليها؟ ولكن كلام الريسوني ملتبس وغير واضح في التصويت على الشرع، وأنا لا أظن عالمًا يعرف الشرع يقول بذلك، فأي عالم يفقه الشريعة وأحكامها فهو سيرفض هذه الفكرة ذات الجذر العلماني، لكن أولئك يقولون إذا اختارت الأمة غير الشريعة فيجب أن نقبل، وهذا من العجائب كيف نقبل بحكم مرتد؟ وعلى كل حال فالريسوني وغيره ليس معصوما وكلامه ليس حجة على الناس، واذا قال بما ذكرته فهو مردود وغير مقبول.
إذا كانت غالبية مجتمع ما لا تريد تطبيق الشريعة هل يجبرون؟
يا أخي الصحابة فتحوا البلاد الواسعة مثل العراق وبلاد الشام وشمال أفريقيا وغيرها من الأمم ولم يستشيروهم، ولم يقولوا لهم هل تريدون البقاء على ما تتحاكمون إليه أم نحكمكم بالشريعة؟ وقد فتح الرسول صلى الله عليه وسلم خيبر وكان عامة أهلها من اليهود ولم يخيرهم في تحكيم الشريعة فيهم، ولهذا اعتبرها العلماء دار إسلام مع ان غالبية أهلها من اليهود لأنهم تحت حكم الشرع والمنفذ فيهم هو حكم الله وأمره وليس أهواء البشر.
من هو الضامن لتطبيق الشريعة وسيادتها؟
إيمان الأمة بالله وشريعتها ورفضها للتحاكم بغير شريعة الله، فان تخلت عن ذلك لم تعد أمة مسلمة، فمن أساسيات الإقرار بالإسلام رفض التحاكم لغير ما أنزل الله، ولهذا اعتبر العلماء تجويز التحاكم الى غير الشريعة أحد نواقض الاسلام، وهو مما اتفقت عليه كل فرق المسلمين حتى المرجئة يكفرون من يجوز التحاكم الى غير الشريعة لأنه مستحل للمحرمات وهو نقض للتصديق القلبي فكيف بأهل السنة الذين يرون أن الايمان قول وعمل والتزام بالشرع، فالأمر خطير ويتعلق به ايمان وكفر وليست رؤى فكرية اجتهادية كما يريد ان يصوره البعض.
إذن نعود للأمة؟
لا شك أن الأمة هي التي تعمل بالشريعة لكن على سبيل الإلزام وليس لها اختيار في ذلك لأنها تكفر إذا رفضتها.
إذن تعود الأمة هي الضامن الحقيقي للشريعة إذا عطل أحكامها أحد.
المعطل للشرع يجب أن يخرجوا عليه، وهذا ينقض القول بسيادتها المطلقة، لأنها اذا كانت ذات سيادة مطلقة فهي معطلة للشرع، لأن واجبها أن تكون تحت الشريعة خاضعة وليست فوقها.
وكيف تخرج وهي ليس لها سيادة ولا تمكين.
تمكينها شيء وإعطاؤها صفة السيادة والألوهية شيء آخر.
معنى ذلك أنك ترفض فقط إعطاءها حق التصويت على الشريعة.
نعم وهذا ما يقصده من يدعو إلى سيادة الأمة؛ لذلك قلت إن مشكلتنا ليست في اختيار الحكام أو محاسبتهم أو مساءلتهم. إنما مشكلتنا أن تبقى الأمة مصدرًا للتشريع. وإذا كانت الأمة مصدرًا للتشريع أصبحت إلهًا ثانيًا وخرجت عن
الإسلام.
وهل مبدأ (الأمة مصدر السلطات) أيضًا فيه إشكالية؟
إذا جئت للسلطات التشريعية فهناك إشكالية نعم، فإن كانت مصدرًا للسلطة التشريعية فتحل الحرام وتحرم الحلال فهذا خروج عن الشرع وإن كان المقصود التشريع تحت حكم الشرع وفي حدوده فلا إشكال في ذلك وهي صاحبة الاختيار في ذلك وقد سبق التأكيد أكثر من مرة في حوارنا هذا على الفرق بين اختيار الحاكم ومساءلته وتقويمه وبين السيادة المطلقة.
"التشريعية التقنينية" أقصد.
هنا أنت قيدت، إذًا لا يصح إطلاق الكلام. نحن إما أن يكون لدينا السيادة للأمة وتكون الشريعة تحتها أو تكون السيادة للشريعة والأمة تبعًا لها.
التغريب
دعنا ننتقل دكتور لمحور آخر هو ما يسمى (التغريب)، ذكرت في مقالة (المدخل الفقهي للمشروع التغريبي) " ضرورة الكشف عن حقيقة التعامل التغريبي كما تصف مع مسائل فقهية يطرحها دعاة التيسير والتعايش من العلماء" هل تعتقد أن هناك علماء أو مشايخ متورطون بغير قصد في مشروع التغريب؟
أحيانًا بعض العلماء أو طلبة العلم أو المنتسبين للعلم يفتي في بعض المسائل التي تشجع الحركة التغريبية، وليس هو تغريبيًا بالضرورة ولكنه يقوم بتشجيعها، الحركة التغريبية ليس خلافنا معها خلافًا فقهيًا، لكن قد يوجد من العلماء من يتورط في فكرة ولا يقصدها فيتخذها الفكر التغريبي ذريعة يستغلها لترويج مشروعه، وأنا ضربت نموذجًا لذلك بالغناء فعالم من العلماء يسأل عن قضية الغناء المعاصر وهو الغناء الموجود في الكليبات فيفتي بجواز ذلك بناء على الغناء الموجود في زمن ابن حزم ويستغل ذلك دعاة التغريب لنشر الفاحشة في المجتمع وتذويب أخلاقه وقيمه ليكون فرصة مهيأة لتقبل الأفكار الليبرالية وما شابهها، ولا شك أن غفلة هذا المفتي هي نوع من الخلط وبعد عن مناط السؤال الحقيقي. لأن الغناء المعاصر المنتشر لا يوجد عالم حقيق بهذا الوصف يقول بجوازه.
معنى ذلك أن كل عالم سيتحفظ على فتواه واجتهاده.
طبيعي أن يتحفظ العالم في فتواه حتى تكون فتوى محررة، وينبغي أن يفتي بما يراه لكن يعرف الواقع، لذلك ابن القيم يقول إن المفتي لا بد أن تكون لديه معرفة بالأحكام الشرعية ومعرفة بالواقع الاجتماعي، وأنا الذي استخرجته أن العالم قد يقع في زلة من هذا النوع فيأتي المشروع التغريبي لاستغلالها وتمريرها في الواقع، وأنا لم أقل إن هؤلاء المشايخ أو العلماء تغريبيون بقصد أو بغير قصد لكنهم بذلك يفتحون بوابة شر على الأمة. وهذا معنى " زلة العالم تهدم الدين" فكيف تهدم الدين وقد صدرت من عالم؟ أحد معاني هذه الكلمة المحررة من عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو استغلال الزنادقة للزلات، وهذا ما يدعو العلماء إلى الانتباه من ذلك.
ألا يفتح هذا بابًا للتشكيك في كل مبادرة وكل اجتهاد؟
نحن لم نقل إن كل اجتهاد يستغله التغريبيون، نحن قلنا هناك نماذج يحاولون تمرير مشروعاتهم من خلالها.
إذا افترضنا أن التغريبيين (سيصطادون في الماء العكر)، فقد يتهيب العلماء من الاجتهاد وقول الرأي الذي يرونه صوابًا.
العالم إذا كان راسخًا في العلم فإنه سيعرف كيف تنزل الأحكام على الواقع ويعرف مناطات الأحكام وعن ماذا يسأل الناس بالضبط وكيف يمكن أن توظف الفتوى في غير محلها. مما يستوجب عليه أن يكون يقظًا منتبهًا في ما يصدر عنه.
دعاة التيسير
أشرت أيضًا في مقالتك إلى (دعاة التيسير والتعايش)، هل لديك رأي في (فقه التيسير)، و(فقه التعايش)؟
إذا كنت تقصد مصطلح (فقه التيسير) الشائع الآن هناك نقد علمي له، لكن التيسير في الشريعة الإسلامية قضية أساسية لأن الإسلام دين يسر، لكن هناك من طرح التيسير بشكل مخالف للأحكام الشرعية فإذا كانت المسألة فيها أقوال لأهل العلم فيأتي ويختار أيسر هذه الأقوال، وكأن أقوال العلماء بين يديه هي خيارات يختار منها ما يشاء، وهذا مخالف للمنهج الصحيح في الاجتهاد والفتوى؛ فالواجب هو البحث عن مراد الله ومراد الرسول لأننا متعبدون بأقوال الله وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم ولسنا متعبدين بأقوال غيرهم، فواجب المفتي هو معرفة مراد الله ومراد رسوله لأن أقوال العلماء ليست خيارات ومباحات، وقد تعجبت من فقيه أتى لمسألة امرأة أسلمت وهي تحت رجل كافر وهي تحبه وهو يحبها، هل يجوز لها أن تبقى أم لا؟ الآية صريحة في ذلك "ولا تمسكوا بعصم الكوافر"، وهناك إجماع بين أهل العلم على عدم بقائها تحت عصمة الكافر، يقول هذا الفقيه -وهو لديه رغبة في الإفتاء بإبقائها- فاحترنا كيف نفعل في هذه المسألة فبحثنا وأثناء البحث وجدنا قولًا لأحد علماء الحنفية وهو زفر يجيز لها أن تبقى، يقول هذا الفقيه ففرحنا به فرحًا كبيرًا وأفتينا به، فكيف تفرح بقول زفر وتخالف قول الله؟ هل هذا تيسير؟ هل أنت أكثر رقة بالناس وتيسيرًا لهم من الله؟ وهناك إجماع منعقد على ذلك، والأصل أن لا تبقى في عصمته، وهذا يدل على إشكالية عميقة في مفهوم التيسير المعاصر. وكذلك التعايش مفهوم يحتاج إلى تفصيل وتدقيق فقد أذاب البعض الفروق العقدية بين المذاهب الإلحادية باسم التعايش وهذا مفهوم خطير، ولكن التعايش بمعنى التعامل الدنيوي وإعطاء الحقوق الدنيوية فهذا لا اشكال فيه.
الخطاب السلفي
ذكرت أن من إيجابيات الخطاب السلفي ربط الإيمان بكل مناحي الحياة في حين أن هناك تيارات إسلامية أخرى كانت تنادي بدخول المعترك السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الوقت الذي تتهم فيه السلفية بحصر اهتماماتها على العقيدة والمسائل الفقهية الفرعية وتتهم التيارات الأخرى بإغفال هذه المسائل؟
عندما أقول السلفية لا أقصد بها جماعة معينة أو حزبًا وإنما أقصد المنهج الشرعي الذي يعتمد على الكتاب والسنة، لذلك لا أعتقد أن السلفية جماعة أو حزب، بل هي تشمل كل من كان على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
السلفيون في دول خليجية وعربية تجاوزوا الأطروحات السلفية التقليدية وتواءموا مع بعض الأفكار الحديثة كالديمقراطية وغيرها، هل يمكن أن تنتقل العدوى إلى السلفيين في السعودية؟
اختلف معك أولًا في عبارة (تقليدية) وعبارة (انتقال العدوى) فهي عبارات غير مناسبة، لكن المشاركة الحاصلة الآن من قبل السلفيين في الديمقراطية في أكثر من بلد عربي هي قائمة على العمل بالمصلحة ودرء المفسدة، وليس إقرارًا بالديمقراطية على أنها النظام الأمثل في الحكم لكن هم لديهم أنظمة قائمة يريدون أن يشاركوا فيها حتى يحققوا أكبر قدر من المصالح للمسلمين ويدرأوا عنهم أكبر قدر من المفاسد.
لديكم خصومة مع من يسمون ب"التيار التنويري"؟
من تقصد بالتيار التنويري؟ فهو يطلق على مساحة واسعة من الأشخاص والأفكار المختلفة.
أنت ذكرتهم في أحد مقالاتك وهم أصحاب الخطاب المدني.
بالعكس الحساسية موجودة لديهم من الخطاب الشرعي، والخطاب التنويري متخصص في نقد منهج السلف وما عرف عنه أكثر من نقد الخطاب السلفي وتكرار الكلام حول الحريات والديمقراطيات بنفس المنهجية الليبرالية. التنوير فكرة هلامية ليس لها حقيقة ولا تستطيع أن تمسك لها أصول وضوابط، هم مجموعات بعضهم كان ينتمي للتيار الإسلامي خرج منه لسبب أو لآخر كخصومات شخصية أو غيرها، وأحيانًا ضعف إيمان أوصله إلى عدم القناعة بمبادئ الإسلام وبعضهم لديه إشكالات فكرية، هذه الأسباب وغيرها جعلهم يتحولون إلى التيار الليبرالي لكن بشيء من التحفظ لأنهم لا يريدون زوال مسمى "الإسلامي" عنهم، وهم ليسوا جددًا، هي ظاهرة من أيام الأفغاني ومحمد عبده، هي ظاهرة نشأت بعد الاستعمار كنوع من محاولة التوفيق والتلفيق بين الأفكار ؛ فهي حركة تلفق الأفكار وليست ملتزمة بالطرح الليبرالي ولا هي ملتزمة بالطرح الإسلامي.
المطالبة بالديمقراطية
كيف ترى محاولات التوفيق بين الفكر الغربي والإسلام؟
كيف توفق بين فكرتين متناقضتين تناقضًا تامًا، كيف توفق بين الكفر والإسلام.
لكن الفكر دكتور بطبيعته ليس جامدًا وإنما متحرك يمكن أن يحور ويكيف على أي واقع.
ليس صحيحًا أن الفكر الغربي فكر متحرك يمكن أن يكيف على أي واقع، هو فكر نشأ في بيئة معينة وله ظروف معينة وتعامل مع دين محرف صارت له أزمات معينة، وقد وجد من المفكرين العرب من يرفض فكرة نقل الأفكار وتبيئتها في غير منبتها الأساسي مثل د.طه عبدالرحمن الذي يرى أن محاولة التزاوج بين مثل هذه الأفكار هو نوع من السذاجة الفكرية بل حتى كثير من المفكرين العلمانيين أصبحوا يتبرؤون من الفكر الغربي لشعورهم بأنه لم يعد له قبول في الواقع، ومحمد عابد الجابري ينقل أنه يلومه كثير من المفكرين العرب لإقباله على كتب التراث ومحاولة تسويغ الحداثة من خلالها ثم برر ذلك بأن الأمة كلها متجهة للدين والتراث، ولذلك ليس من مصلحة هؤلاء التنويريين وغيرهم أن يبقوا متعلقين بأذيال الليبرالية المنهزمة في كل العالم الإسلامي. وأنت تنظر إلى الربيع العربي الذي هو إعلان وفاة للعلمانية والليبرالية.
لكن شعوب الربيع العربي تطالب بالديمقراطية والحرية والكرامة والعدالة.
الكرامة والعدالة ليست مطالب غربية هذه مفاهيم إنسانية عامة، لكن الديمقراطية التي يطالب بها الإسلاميون هي من أجل التوصل لخدمة المجتمع، ويفهمونها على أنها أدوات إجرائية إدارية لا أكثر وأنها هي الأنسب لظروف المرحلة، ولهذا كثير منهم يرفض المساس بالمادة الثانية الخاصة بتحكيم الشريعة. والواقع الآن بعد الربيع العربي هو أن التيار الإسلامي ظهر وأصبح هو البارز على المستوى الفكري والعملي.
كيف تفسر شوق تلك الشعوب إلى تطبيق الديمقراطية؟
الشعوب تتوق إلى ما يحقق إرادتها حسب ظرفها المرحلي وليس بالضرورة أنه نموذج الديمقراطية الغربي كما أنه ليس بالضرورة يرونها نموذجًا للحكم الرشيد لكنه المتاح في الواقع الموجود فقط والظروف العملية تفرض شروطًا قد لا يرضاها في حال الاختيار الكامل.
إذن يمكن تكييف الديمقراطية على أكثر من نموذج كما هو حاصل في دول الربيع العربي.
ليس بالضرورة أن ما يحدث في مصر أو غيرها هو ديمقراطية بالمفهوم الغربي، هي آليات، والحديث في الآليات أسهل لكن الحديث عن الفكر والفلسفة الأخطر على العقيدة، فلا أعتقد أن ما هو مطبق هو الديمقراطية بالمفهوم الفلسفي لها بل حديث الناس عن تحكيم الشريعة وأنه لا تنازل عليها يدل على رفض السيادة المطلقة للأمة لأنها تتنافى مع أصل الإسلام الذين تدين به الشعوب.
التنويريون وأهل السنة
خلافكم مع التنويريين هو خلاف أولويات أم خلاف منطلقات؟
خلاف أهل السنة والجماعة مع التنويريين هو خلاف منهجي.
هل هم مقابلون لأهل السنة والجماعة؟
نعم.
كأنك أخرجتهم من دائرة أهل السنة والجماعة.
مسألة الإدخال والإخراج هي ليست لي ولا لأحد، فالالتزام بالسنة له معايير يمكن قياسها في الاعتقاد والعمل، ولهذا أمكن تمييز أهل السنة عن الفرق الضالة كالمعتزلة والأشاعرة، والتنويريون أسوأ حالًا واعتقادًا من الأشاعرة. والأشاعرة يعظمون الشريعة تعظيمًا كبيرًا ويرون عدم المساس بها في مجال الحاكمية ويقاومون كل التيارات الفكرية والفلسفية في زمانهم ويرفضون التقارب معهم، ولم يكن لهم حديث عن التعايش مع الفلاسفة بل كانوا يكفرونهم، والغزالي في كتابه (تهافت الفلاسفة) -وبإمكانك أن تحذف كلمة (الفلاسفة) وتجعل بدلًا منها (الليبرالية أو العلمانية)- يكفر الفلاسفة في ثلاث مقالات. أما هؤلاء المنتسبون للتنوير فيشككون في حاكمية الشريعة ولا يرون أن لها أولوية ويتقاربون مع التيارات الليبرالية، ويتناغمون معهم في المواقف والأفكار. وأنا اعتبر أن التيار التنويري فتنة وقع فيها بعض الشباب، وهم يتفاوتون تفاوتًا كبيرًا. بعضهم يقف عند السطح منها، وبعضهم يغوص حتى يصبح في جوفها، وبعضهم يغوص أكثر حتى يصبح في الأعماق، ومن وصل الى الأعماق فأنا أظن أنه هو والليبرالي والعلماني سواء.
أختم معك دكتور حول المركز الذي تديرونه وهو مركز (التأصيل للدراسات والبحوث)، من أين مصادر تمويلكم؟
هناك جزء من تمويلنا يتم من خلال الرعايات؛ وهناك جهات خيرية وغيرها تريد من ينفذ لها بعض الأبحاث والدراسات فنقوم نحن بذلك فيما يحقق أهداف المركز المعلنة، وهناك أيضًا العائد من الكتب المطبوعة من قبل المركز.
لكن قليلة هي الجهات التي تهتم بمثل ما تهتمون به من دراسات فكرية متخصصة، فما العائد لتلك الجهات من دعم أو الدخول في شراكة من هذا النوع؟
صحيح، لكن تلك الجهات تقوم بالشراكة والدعم من باب المسؤولية الاجتماعية.
يعني ليس هناك دعم رسمي لكم ولا دعم من جهة معينة؟
لا يوجد دعم رسمي للمركز من أي جهة حكومية، فالمركز من المؤسسات الأهلية التي تعنى بنفع المجتمع في مجال اختصاصه، والشراكة مع أي جهة لتحقيق أهدافه المعلنة.
هل قام المركز من أجل التصدي للعلمانية والحداثة خاصة وأن هذا ما يطبع أكثر منتجاته؟
الهدف الرئيس لقيام المركز: تأصيل القضايا العقدية والفكرية بشكل منهجي وفي نفس الوقت الرد على التيارات الفكرية المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة. فالتصدي للتيارات العلمانية والليبرالية أحد مجالات عمل المركز وليس كل مجالاته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.