حينما يسقط المطر تبتهج النفوس، وتسري الفرحة لتستقر في أعماق القلوب، كأنها قطرات ماء تنساب نحو جذور أشجار لتروي عطشها بعد طول انتظار. إن زخات المطرتجلي الهم والكدر، وتبعث دواعي الأمل والسرور، وتبعد البشر عن بؤر المشاكل الدنيوية المتراكمة عبر الأيام والشهور. تلك سويعات سمو وصفاء، يتحرر فيها العقل والفكر من أغلال الروتين وصخب الحياة الدائم، الذي بسببه بات الإنسان أشبه بالآلة التي تعمل لتؤدي مهمتها ولا شيء غير ذلك. أحسب أن الكثير من الناس يغشاه شعور عجيب حالما تنهمر حبات المطر، غير أنه قد لا يستطيع الإفصاح عنه، لاسيما عندما يكون في أحضان الطبيعة، تتراءى له الجبال والوديان والأشجار، وتغيب عن ناظريه كل معالم العصر الحديث من عمران وشوارعومركبات وما في حكمها. هناك يجد أحدنا المتعة وراحة البال، وهو يرى السماء تتلبد بالغيوم، ويسمع الرعد يزمجر، بعد ومضات برق وهاج يكاد يخطف الأبصار من روعته وجماله. عندئذ لن يلبث من كان على أرض كُتب لها نصيب من الغيث طويلا حتى يمتع ناظريه بمشهد هطول المطر؛ حيث ترتسم أمامه صورة بديعة، تحفظ الذاكرة تفاصيلها وأحداثها، بداية من كثافة زخات المطر التي تخفي خلفها الجبال والهضاب، مرورا بجريان الماء في الأودية والشعاب، وانتهاء بصفاء الجو عقب توقف المطر، ورائحة النسيم العليل الذي ينعش الأرواح بشذا عطره الأخاذ. ما سلف ليس دعوة للمجازفة والخروج في أوقات تكاثر السحب الممطرة، فالكل يعلم خطورة قيادة السيارة في ظل التقلبات الجوية وما يصاحبها من عواصف وأمطار، غيرأن ذلك توصيف لحالة قد تتأتى لأحدنا بطرق آمنة. وما ارتأيت الإشارة إليه أننا في هذا العصر بحاجة ماسة للانفصال ولو لوقت يسير عن دوامة ظروف الحياة المرهقة. ومن وجهة نظري، أن ذهاب أفراد الأسرة للتنزه في أماكن سقوط الأمطار عقب استقرارالأوضاع فيه تجديد وترويح عن النفوس التي سئمت الجمود، وابتعدت عن الطبيعة وجمالها. م. عايض الميلبي - ينبع