يذكر أن رجلاً سأل عبدالله بن المبارك، رضي الله عنه، عن مرض أصابه، في ركبتيه منذ سبع سنين وقد عالجها بأنواع العلاج وسأل الأطباء فلم ينتفع، فقال له ابن المبارك: اذهب واحفر بئرًا، فإن الناس بحاجة الماء، فإني أرجو أن تنبع هناك عين، ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل ذلك فبرأ. يُسارع الموسرون من أغنياء المسلمين بالصدقة، لأنها تُبارك في المال، وتُداوي المرض، وتُطفئ غضب الرب، ويتحدّث الناس اليوم عن أكبر مطبخ خيري في العالم، تم إنشاؤه في المشاعر، يذبح فيه يومياً عشرات الآلاف من الذبائح لأكثر من ثلاثة ملايين حاج مع توزيع آلاف الأطنان من الفواكه الطازجة وملايين من عبوات وكؤوس المشروبات الساخنة والباردة، وصلت تكلفته 80 مليون ريال، وأقيم على مساحة 18 ألف متر مربع بغرض توفير الوجبات الصحية الشهية لضيوف الرحمن أثناء وجودهم في عرفات ومزدلفة. المبرة تشمل القدور العملاقة التي تُجهَّز فيها كميات كبيرة من الذبائح والأرز؛ مع أطنان البهارات والمياه، ويحتوي القدر العملاق الواحد 10 ذبائح، ويصل عدد العاملين، حتى 800 طباخ وعامل، إلى جانب المياه الباردة والعصيرات، كما تقدم المبرة المشروبات الساخنة والتمور على مدار الساعة، وحتى خروج آخر حاج من مشعر عرفات ومزدلفة. الفكرة رائدة، وبغض النظر عمن يقف وراءها من أناس صالحين جزاهم الله خير الجزاء، يظل السؤال: لماذا لا نُحوِّل هذا العمل الصالح الجبّار إلى أوقاف دائمة، يُصرف من ريعها على أعمال الصدقة، في المشاعر وغيرها، فالمبلغ المرصود يصلح لأن يكون ميزانية لشراء مجمع سكني، أو نواة استثمار طويل الأجل، يكون ريعه صدقة دائمة، فالقليل الدائم خيرٌ من الكثير المنقطع. ونظام الوقف هو الصيغة التاريخية التي ابتكرها المسلمون للتقرّب إلى الله، وقد اقتبسها الغربيون ونقلوها عن الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر، ويُقال إنها كانت أساس فكرة منظمات المجتمع المدني هناك، ومن المسلَّم به أن نظام الوقف الإسلامي ظل يُمثِّل على مدى ثلاثة عشر قرنًا صورة من أروع صور التعاون الإنساني، واليوم نحن أحوج ما نكون إليه.