الأكل والشرب، رغم أنه مباح إلاَّ أن الله -عز وجل- جعل لنا ضوابط شرعية علينا الالتزام بها، وعلى رأسها تحريم الإسراف في المأكل والمشرب. يقول تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا) "الأعراف: 2"، كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بحسب ابن آدم لُقيمات يقمن جسده). رغم ذلك فإن كثيراً من المسلمين بعيدون عن هذه القواعد الشرعية التي رسمها المولى عز وجل، وأكدها رسوله الكريم، حيث تتميز أكثر تصرفاتهم بالإسراف القريب من السفه. فحال المسلمين اليوم يحزن، ففي كل مكان من العالم الإسلامي تجد الجوع والحاجة والعوز الشديد. وفي كل طريق تجد مأساة. فهناك كثيرون لا يجدون ما يسدون به الرمق. أو ما يتدثرون به من برد الشتاء. والمؤسف أن هذا الإهدار للنعمة لا يقتصر على العائلات والأفراد وحدهم، بل تشاهده في كثير من الولائم التي تقيمها بعض الجهات الرسمية، والمؤسسات الحكومية، بل وكذلك المؤسسات والشركات الخاصة. وهو إسراف تجده في مناحٍ أخرى كثيرة، ومنها الماء والكهرباء. فمثلا على المستوى المحلي ورغم أننا بلد صحراوي إلاّ أن المواطن السعودي هو من أعلى مواطني العالم استهلاكًا للماء، متناسين أن الرسول الكريم أمر بعدم الإسراف في ماء الوضوء والغسل، وقد روى أحمد في مسنده من حديث عبدالله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال: لا تسرف، فقال: يا رسول الله أَوَفي الماء إسراف؟ قال: نعم.. وإن كنتَ على نهرٍ جارٍ. ويحضرني في هذا المقام ما قرأته عن احتفال رسمي أقامه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته سارة، استضافا فيه خمسين شخصية سياسية مع أسرهم في منزلهما بالقدس، وقد قُدِّرتْ تكاليف الاحتفال بثمانين ألف شيكل، (21 ألف دولار) بمعدل مائة دولار للوجبة الواحدة. وقبل الاحتفال قدَّمَ أعضاءٌ من حزب الليكود طلبًا بترخيص الاحتفال من مراقب الدولة العام، الذي كان ردّه على الطلب: "لا أوافق على هذا الاحتفال، وفي شارعنا أناسٌ لا يجدون الطعام، وأضع أمام نتنياهو وزوجته خيارين؛ الأول: أن ينفقا على الاحتفال من جيبهما الخاص، والثاني: أن يساهم أعضاء الحكومة في دفع تكاليف هذا الاحتفال"؟! وانتهى الأمر بأن قرر منظمو الاحتفال أن تقتصر الوجبة على المقبلات الرخيصة فقط! وعندما اشتكى المدعوون من الوجبة قال نتنياهو: "لقد طالت التقليصات الحكومية وجبتكم هذه"!! ما أحرانا -كمسلمين- أن لا يكون التزامنا بتعاليم ديننا الكريم هو التعلق بالقشور دون الولوج إلى قلب هذا الدين الكريم، وأسسه الأخلاقية والتربوية العظيمة!!. * نافذة صغيرة: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) سورة التكاثر الآية 8. [email protected] [email protected]