حذّر الباحث الإسلامي الدكتور محمد عبدالمقصود جاب الله، من يفتي بجواز الحج والاستنابة عن أكثر من واحد في عام واحد، وقال جاب: من المعلوم أنه يجوز الاستنابة في الحج للعاجز عن أدائه بالموت، أو بالعجز بسبب المرض الذي لا يرجى برؤه، ومن ثم يجوز أن ينوب الرجل عن الرجل والمرأة، والمرأة عن الرجل والمرأة باتفاق عامة العلماء -لم يخالف في ذلك إلاَّ الحسن بن صالح- فإنه كره حج المرأة عن الرجل، ويرد عليه بحديث الخثعمية التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم "إن فريضة اللهِ على عباده في الحج قد أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يستملك على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: "نعم" متفق عليه. ولا يجوز أن ينوب عن أكثر من واحد في عام واحد بالنسبة لنسك الحج لأن الحج أشهر معلومات شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة. والوقوف بعرفات من ظهر اليوم التاسع من ذي الحجة إلى فجر اليوم العاشر هو الركن الأعظم. لقوله عليه الصلاة والسلام: "الحج عرفة فمَن وقف بها ليلاً أو نهارًا فقد تم حجه ومن فاته عرفة بليل فاته الحج فليحل بعمرة وعليه الحج من قابل"، وامتداد الوقوف إلى غروب الشمس واجب -فمن أفاض قبل ذلك وجب عليه دم عند أكثر أهل العلم- أبي حنيفة وأحمد وعطاء والثوري وأبي ثور وإبراهيم النخعي وعلقمة بن قيس والشافعي في رواية. ويرى الإمام مالك أن استمرار الوقوف إلى ما بعد غروب الشمس ركن، فإذا دفع قبل الغروب فلا حج له عنده، وحجته ما روى ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج ومن فاته عرفات بليل فقد فاته الحج فليحل بعمرة وعليه الحج من قابل"، قال ابن عبدالبر: "لا نعلم أحدًا من العلماء قال بقول مالك". وعطفًا على ذلك يتساءل جاب وكيف لمَن أراد أن يحج عن أكثر من واحد أن يأتي بالواجب على قول جمهور الفقهاء، أو يأتي بالركن على قول مالك -رضي الله عنهم جميعًا-. وقبل هذا كله كيف يأتي بالإحرام والنية عنهم جميعًا في وقت واحد وهي شرط أو ركن على اختلاف بين الفقهاء بشرط أن يكون الإحرام من الميقات، وقد نصَ الحنفية على أن "من أحرم على آمِريه ضمن النفقة ومعناه أن رجلاً أمره رجلان أن يحج عن كل واحد منهما حجة، فأهلّ بحجة عنهما فهي عن الحاج، ويضمن النفقة، لأنه خالفهما، والمسألة على ثلاثة أوجه: إما أن يكون أحرم عنهما جميعًا أو عن أحدهما غير معين أو أطلق، فإن نواهما جميعًا وهي مسألة الكتاب فقد خالفهما، لأن كل واحد منهما أمره أن يخلص له الحج وأن ينويه بعينه عند الإحرام فإن لم يفعل صار مخالفًا ولا يكون عن أحدهما، إذ ليس أحدهما بأولى من الآخر فوقع عن المأمور". ونص الحنابلة على أنه "إذا استنابه اثنان في نسك فأحرم به عنهما وقع عن نفسه دونهما، لأنه لا يمكن وقوعه عنهما وليس أحدهما بأولى من صاحبه، وإن أحرم عن نفسه وغيره وقع عن نفسه، لأنه إذا وقع عن نفسه ولم ينوِها فمع نية أولى". ولا أعتقد هذا إلاّ قول سائر الفقهاء لحديث ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول لبيك عن شبرمة قال: "من شبرمة؟" قال: أخ لي أو قريب لي، فقال: "حججت عن نفسك؟" قال: لا، قال: "حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة"). خرجه أبو داود، وابن ماجة، وصححه ابن حبان. وأشار إلى أن الحج هو القصد إلى معظم وهو البيت الحرام، ولو كان الجمع بين النيتين جائزًا لقال له عليه الصلاة والسلام: "انوِ عن نفسك وشبرمة"، ولكنه عليه الصلاة والسلام قال له: "حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة"، فدل هذا على أنه لا يجوز الجمع بين نسك واحد، وهو الحج عن اثنين في عام واحد.