بعيدا عن المدن وخارج المظاهر الحياتية التي يعيشها ابناء المدن، هناك اناس ليسوا قليلين اتخذوا من الصحراء مكانا لعيشهم ومصدر رزقهم، يتنقلون حيث يوجد الكلأ لماشيتهم سواء من الابل او الاغنام ولا يستطيعون هجر الصحراء التي تعودوا على اجوائها النقية ومظاهرها البسيطة، رزقهم من رزق ماشيتهم وقمة سعادتهم موسم الامطار وظهور العشب واخضرار الارض، وحتى ان استوطن بعض من هؤلاء في القرى والمدن فإن الحنين والعشق المتأصل فيهم للصحراء، وحرصهم على ان تكون ماشيتهم على احسن حال يجذبهم الى التواصل مع البراري بشكل يومي ويقضون فيها معظم اوقاتهم ويجدون في ذلك قمة السعادة والمتعة، ولمعرفة كيف يعيش هؤلاء وهم يقضون يومهم في الصحراء بعيدا عن مظاهر المدنية. غذاؤه حليب الإبل إذا أردت أن تعرف مدى قوته فانظر إلى الصورة لتجد أمامك شابا قد أكمل المائة من العمر وإذا سألته ماذا تأكل وتشرب فعلا إن طعامه وشرابه يختلف عما نأكل ونشرب نحن فوجبة العشاء عنده تتضمن السمن البلدي وخبز البر وفطوره الصباحي حليب الإبل الذي يمنحه قوة وطاقة وقدرة على السير لدرجة يخال إليه أنه أصبح يقفز ويعدو كالغزال تماما. يعيش أحمد إبراهيم في بادية شهران.. وراء أغنامه وإبله.. ملابسه من نوع خاص لا يعترف من بينها بالسروال الذي لم يرتده في حياته قط ولباسه الأساسي الاوزة ويسميها المصنف وقد قطع عهدا على نفسه إلا يخلد إلى الراحة واللبس الأنيق حتى لا يودع أخلاق القبيلة وعاداتها.. سألته عن سبب الحياة البعيدة فأجاب: الطرف شرف وانه يجد المتعة في هذه الحياة بين عناصر الطبيعة التي يتعايش معها بكل ما يناسبها حتى بحذائه الذي صنعه بطريقة خاصة حتى لا يرتدي الحذاء الحديث الذي يصيب القدم بالإرهاق والتعب ويحد من قدراته على القفز. لكن ما أشعرني به.. انه يعيش فقرا وعلى أيدي بعض الجيران الذين يجهزون له بعض احتياجاته.. وبالرغم انه لديه القناعة انه لا يودع أخلاق قبيلته أو الخروج منها إلا انه يندب حظه في جده الذي وضعهم في هذه العزلة عن العالم وعن الناس جميعاً. هوايتي تربية الإبل التقينا بالمواطن (معيض علي القحطاني) والذي حدثنا عن سبب وجوده في البادية رغم مغريات المدينة التي تسيطر على الكثير من الناس وقال: أنا من محبي البر والصحراء منذ الصغر ولكن مع تقدم الحياة هناك أمور لابد أن تسير الإنسان وهي الحياة والالتزامات والتطور كما أخذنا التعليم ومن ثم العمل وهموم الوظيفة فكان لابد من متنفس لهذه الضغوط ولأن الحياة في البادية هواية في نفسي فقد أصررت على إحياء هذه الهواية القديمة فاشتريت العديد من الإبل ووضعتها في البر الذي هو قريب من إقامتي ومن عملي اذهب إليها في أيام فراغي وفي أيام العطلات أنا والأولاد وأوقات الإجازات وكما ترى ولله الحمد لدي العديد منها وأنا مرتاح نفسيا وأجد نفسي من خلال وجودي في البر. أما عن الوضع الحالي فنعاني من ندرة في نزول الأمطار خصوصا هذا العام فكلنا أمل بالله تعالى أن تنزل علينا الأمطار وتحيا بها الأرض حتى تكتمل فرحتنا حيث إن تأخر نزول الأمطار هذا العام قد زاد من التزاماتنا المالية وذلك من أعلاف وخلافه من مستلزمات إطعام الإبل والمواشي.. وودعنا (القحطاني).. متمنين له كما يتمنى نزول الأمطار واخضرار المراعي الواسعة في المساحة. وبعيدا عنه وخلال جولتنا وجدنا عددا من الأشخاص والتقينا ببعضهم وبدأنا بكبيرهم في السن ويسمونه أبو صالح، الذي حدثنا قائلا: لقد كنت موظفا وبعد ان حصلت على التقاعد اشتريت لي إبلا وغنما وأصبحت مقيما في هذه الصحراء الواسعة أتجول في أنحائها وقريبا من الأهل والأولاد ولكنني شبه مقيم فلا اذهب إلى المدينة إلا لصلاة الجمعة أو لزيارة الطبيب أو لزيارة الأولاد مع العلم أن أولادي وأولادهم يأتون لزيارتي دائما ويتمتعون ببعض الوقت في أحضان الطبيعة البكر. ويستطرد قائلا: لقد أحببت هذه الأماكن وذلك لبعدها عن المدينة وعن الضوضاء والإزعاج والتلوث وعن مشاكل العالم اجمع فأنا مرتاح نفسيا وجسديا ولله الفضل والمنة. فالهواء هنا نقي وأصحو باكرا وامشي العديد من الكيلومترات دون أن أحس أو اتعب وأتجول هنا وهناك فقد أخذت مني المدينة الكثير من وقتي وصحتي فلابد لي الآن أن اعوض ما فقدته. أما عن موسم الأمطار هذا العام فأملنا بالله كبير أن يرزقنا بالأمطار لكي تكتمل فرحتنا وتصبح أيامنا وليالينا ربيعا.