هذه العبارة يقولها من ضعف الإيمان في قلبه وابتلي بالكبر وغمط الناس فإذا رأى ضعيفا أو مبتلى أو من لا يروق له شكله قال هذه العبارة. ولو أنه تدبر معناها وتفحص عواقبها لما تجرأ على التلفظ بها فهذه العبارة تتضمن عدة مناهي: 1-الاستدراك على الله في خلقه، فهو سبحانه بديع السماوات والاراضين وهو جل وعلا الحكيم العليم، قال تعالى (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى (فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) أي في أعدل خلق. وعن إبراهيم النخعي قال في قوله تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) أي: في أحسن صورة، تفسير الطبري (24 / 507). وقال البغوي في تفسيره (8 / 472): (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) أَيْ: أَعْدَلِ قَامَةٍ وَأَحْسَنِ صُورَةٍ. والنسبي جمال شيء ومقاييس الناس تتفاوت فيه فما تراه انت قبيحا بمقاييسك القاصرة يراه غيرك جميلا. قال الزمخشري في الكشاف (4 / 547): قوله عز وجل (فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) «كم من دميم مشوّه الصورة سمج الخلقة تقتحمه العيون؟ قلت: لا سماجة ثم ولكن الحسن كغيره من المعاني على طبقات ومراتب، فلانحطاط بعض الصور عن مراتب ما فوقها انحطاطا بينا وإضافتها إلى الموفى «1» عليها لا تستملح، وإلا فهي داخلة في حيز الحسن غير خارجة عن حدّه، ألا ترى أنك قد تعجب بصورة وتستملحها ولا ترى الدنيا بها، ثم ترى أملح وأعلى في مراتب الحسن منها فينبو عن الأولى طرفك، وتستثقل النظر إليها بعد افتتانك بها وتهالكك عليها».. انتهى كلامه. وقال تعالى (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك). قال الثعلبي: (10 / 147) في قوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) قرأ أهل الكوفة بتخفيف الدال أي صرفك وأمالك إلى أي صورة شاء قبيحا أو جميلا وقصيرا أو طويلا، وقرأ الباقون بالتشديد أي قوّمك وجعلك معتدل الخلق. بل على المسلم اذا رأى مبتلى في خلقه أو خلقته آو في ماله وولده فليقل الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به فانه حينذاك يعافيه الله من هذا البلاء. وعَنْ عُمَرَ بن الخطاب رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ رَأَى صَاحِبَ بلاء، فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تفضيلا، إلا عُوفِيَ مِنْ ذَلِكَ البلاء كَائِنًا مَا كَانَ مَا عَاشَ» رواه الترمذي. وفق الله الجميع لأسباب محبته ورضوانه وجنبنا أليم غضبه وعقابه.