"التسامح أعظم علاج على الإطلاق"، كتاب ذائع الصيت، للكاتب (جيرالد ج. جامبولسكي)، يتناول فيه قيمة سامية وجليلة هي التسامح.. تناول الكاتب فيه الأعراض التي تصيب غير المتسامح، فقد تحدث جامبولسكي عن الصداع وآلام، الظهر، وآلام الرقبة، والقلق، والأرق، والخوف، والاكتئاب، والتعاسة. وقد عدّ كل هذه أكثر وجودًا في الأجساد التي تحملها أرواح وعقول غير متسامحة. تميّز الكتاب بمنطقيته وشموليته في التناول، فتحدث عن مفهوم وقيمة التسامح، وعرض لصور وأشكال عديدة كتجليات لمفهوم التسامح، كما كشف عن العقبات التي تحول دون الوصول إلى التسامح، وكيف يمكن التخلص منها. وتحدث باستفاضة عن الأسباب الرئيسة لعدم التسامح. من أهم ما يمكن الخروج به من هذا الكتاب كيف أن التسامح سلوك دافع ومحفز للنشاط، وباعث للطاقة والحيوية، وكلها أمور لا غنى عنها لبناء حياة سعيدة تخلو من منغصات الكدر والكسل، وكل ما يخالط النفس البشرية من شوائب وأدران. أتساءل أليست هذه بضاعتنا رُدّت إلينا؟ فقد تحدّث الإسلام كثيرًا عن قيمة التسامح، ودعا إليها باعتبارها إحدى الفضائل والسجايا الحميدة. فتعاليم الإسلام تضرب أروع الأمثلة في مجال التسامح، فتعاليمنا التي تعترف بالآخر، وتدعو إلى التعارف بين بني البشر، وقيمنا التي تحض على الصفح والعفو، كلها عماد بناء مفهوم التسامح. وبلا مبالغة يمكننا القول إن التسامح ما عرف طريقه بالسابق إلى مجتمع وحضارة كما عرفه في المجتمع الإسلامي وحضارته السامقة، التي شيّدها أسلافنا. إن البعض قد يتوهّم أن الحديث عن التسامح يعني الضعف والوهن، وهو أمر ليس صحيحًا، فالإسلام ما أعطى للعفو والصفح قيمته الكبرى إلاَّ عندما يكون مقترنًا بالقدرة، والنماذج التي تحتفظ بألقها ذاكرتنا التاريخية في التسامح، إنما نستدعيها وتقر في أذهاننا؛ لأنها جاءت في موضع المُكنة والقدرة، وليس من موقع العجز والهوان. وإذا كان البعض يسهب في الحديث عن أقوال الفلاسفة المعاصرين عن التسامح، فإن تاريخنا حافل بالعلماء الذين صاغوا أروع المقولات والسلوكيات في مجال التسامح. فالعالم الجليل ابن تيمية له مقولة ذائعة يقول فيها: "أحللت كل مسلم عن إيذائه لي". وحكايات هذا الفقيه العالم في جعل مقولته وقناعاته عن التسامح واقعًا ملموسًا أكثر من أن تُحصى. [email protected]