من محاسن دين الإسلام الحنيف تحريم الرشوة واعتبارها من كبائر الذنوب لتربية النفوس على إتيان الحقوق لأصحابها، دون أن تتخذ تجارة لا يصل إليها إلا من دفع الثمن، وتحريمها ثبت بالكتاب والسنة والإجماع، فمن كتاب الله يرد قوله تعالى: (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إلَى الحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)، وقوله: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)، وهما محرمتان للرشوة اتفاقًا، والرشوة كانت من سلوك اليهود الذي ذمهم الله به، ومن السنة الشريفة قوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم)، وما رواه أبو حميد الساعدي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل ابن اللتبية على الصدقة (الزكاة يجمعها)، فلما جاء قال: هذا لكم وهذا أهديَ إليّ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ما بال الرجل نستعمله على العمل مما ولانا الله، فيقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي، فهلا قعد في بيت أمه فينظر أيهدى إليه أم لا)، والإجماع منعقدٌ على أنها من الكبائر فقد لعن الله آخذها ومعطيها ومن توسط بينهما، ولا يلعن إلا على ذنب عظيم، والاتفاق على أن هدايا العمال (الموظفين) رشوة تؤخذ منهم وتودع بيت المال، وإذا أخذوها عزلوا من وظائفهم وعزروا بالحبس والجلد والتشهير، والرشوة داء خطير ما انتشر في بلاد إلا وعمها الفساد، لأنّ العدل يصبح فيها مغيبًا، والظلم سائد، فلا يصل إنسان إلى حقه إلا إن بذل ماله، ولا يحفظ كرامته ويمنع عنه الأذى إلا بذلك، ولا يجد عملًا إلا إن بذله، ولا نص على أن الرشوة تباح أحيانًا، إلا إن كان على سبيل دفع الضرورة، حينما ينتشر الفساد ولا يتحقق عدل أبدًا، ولا تطبق أحكام شرع الله، فحينئذ في عصور الفساد أفتى البعض بإباحة دفعها للحصول على حق أو دفع مكروه، كما تباح الميتة في حال الجوع المهلك، وحاشا أن يكون مجتمع مسلم أفراده، يلتزمون أحكامه، ينتشر فيه الفساد إلى هذا الحد المكروه والبغيض، فحرب للرشوة والتغليظ لعقوبتها أولى من المبادرة لإباحتها للضرورة، فالقول بإباحتها يجعل الناس يستهينون بها، ويتعاملون بها، فتضيع الحقوق ولا يقام العدل، ويشيع الفساد، وهي من أخطر وسائله كافة، فالمجتمعات التي شاعت فيها وسادت لم يعد أحد يصل إلى حقه، وظلم الضعيف والفقير، وأصبح المال في يد فئة قليلة لا يهمها من أين أتى: أمن حلال أم حرام؟، وعيب الفتيا أن يتسرع بها صاحبها دون أن يحسب لأثرها الذي قد لا يكون حميدًا حسابًا، واليوم لا يستطيع أحد أن ينكر أن الرشوة تسربت إلى بعض إداراتنا، وهي وإن لم تبلغ حد الظاهرة، إلا أنها موجودة ومحسوسة، وإن لم نغلظ على المتعاملين بها العقوبة، شاعت في هذا المجتمع الطيب، وللمحافظة على سلامته وطمأنينته لا بد من وقفة حازمة من هذا الداء الذي ما إن يبدأ إلا ويستشري في جسد الوطن، فهل تعاهدنا ألا ندفعها لمرتشي وأن نبلغ عنه السلطات لتتخذ العقوبة الرادعة في حقه، وألا نستجيب لمن يروج لها بفتوى حتى وإن قال أنها للضرورة، فنقاء المجتمع منها ومن كل ألوان الفساد ليست مهمة الحكومة وحدها، فلا يمكن أن تختفي الرشوة إلا بتعاضد الجميع حكومة ومواطنين للقضاء عليها، فالاستثناءات إذا كثرت في القوانين والنظم كادت أن تلغيها، فلا يبقى أحد ملتزم بها، وضبطها وتطبيقها بشكل حازم يعيد للمجتمع انضباطه، ومتى ما استطعنا ذلك، خدمنا وطننا وأبعدنا عنه الشرور، وخير أمر تخدم به الأمة كف الشرور عنها، المؤدية للأضرار البالغة بها، فما سكت عن منكر إلا شاع وذاع، فانشروا المعروف وغيبوا المنكر عن الناس تكونوا أفضل الخلق، ويصدق علينا وصف ربنا لنا أننا خير أمة أخرجت للناس، فهل نفعل هو ما أرجو والله ولي التوفيق. ص. ب: 35485 جدة 21488 فاكس: 6407043 [email protected]