تجدد الحديث مؤخرًا عن نية إسرائيل مطالبة بعض الحكومات العربية، تحديدًا مصر والجزائر وموريتانيا والمغرب وتونس وليبيا والسودان وسوريا والعراق ولبنان والأردن والبحرين بتعويضات مالية ضخمة (300 مليار دولار) على خلفية ما اعتبرته تعويضًا عن مزاعم تهجير آلاف اليهود بالقوة من تلك البلدان، يعيد إلى الأذهان قصة التعويضات الألمانية عن مذابح المحرقة اليهودية (الهولوكوست) التي لا تزال ألمانيا تدفع استحقاقاتها حتى الآن. وبغض النظر عن الخطأ الاستراتيجي الذي وقعت فيه البلدان العربية عندما رفدت إسرائيل بآلاف المهاجرين من اليهود القاطنين على أراضيها، فإنه يتوجب على العرب، وأولهم الفلسطينيون تفعيل هذا النوع من النضال الذي غاب عن أجندتهم السياسية عشرات السنين، بالرغم من أهميته القصوى، والمقصود به مطالبة إسرائيل بتعويضهم، ليس فقط تعويض اللاجئين عن طردهم من أراضيهم والاستيلاء على أملاكهم وعقاراتهم، وإنما أيضًا التعويض عن سنوات الاحتلال، والمذابح التي راح ضحيتها آلاف الفلسطينيين على مدى العقود السبعة الماضية. ليس الفلسطينيون وحدهم مطالبون اليوم بتفعيل هذا الحق، وإنما العديد من الدول العربية الأخرى، فلمصر الحق في المطالبة بتعويضات عن استغلال إسرائيل للنفط المصري خلال احتلالها لسيناء، وتعويضها عن قتل مئات الأسرى المصريين خلال حرب 67، وأيضًا الأطفال الذين سقطوا ضحايا مذبحة مدرسة بحر البقر. لبنان من حقه أيضًا المطالبة بتعويضات عن احتلال إسرائيل للجنوب، واحتلالها بيروت العاصمة، وقتلها للضحايا الأبرياء في مذبحتي قانا (1) وقانا (2)، ومن قبلها صبرا وشاتيلا. وكذا يمكن للأردن رفع قضايا تعويض عن الكثير من الانتهاكات الإسرائيلية بما في ذلك سرقة مياه نهر الأردن، ومذبحة السموع.. إلخ. إذا أردنا تقدير التعويضات التي يتعين على إسرائيل دفعها للعرب والفلسطينيين ثمنًا للاحتلال والمذابح التي لا تزال تمارسها حتى الآن، ومن واقع تقديرات إسرائيل نفسها لهذا النوع من التعويضات، فإننا لابد وأن نتحدث عن مبالغ بالتريليونات، ويكفي أن نشير بهذا الصدد إلى حكم سبق وأن أصدرته المحكمة الإسرائيلية في القدس تطالب فيه بدفع مبلغ 64 مليون شيكل تعويضا لذوي جنديين إسرائيليين قتلا في رام الله في 12/10/2000. السؤال: لماذا يحجم العرب والفلسطينيون عن المطالبة بهذا الحق حتى الآن؟.. على الأقل كي تدرك تل أبيب أن لاستمرار الاحتلال والانتهاكات ثمنًا باهظًا لا يسقط -وإنما تزداد قيمته- بالتقادم.