كان لابد للحوار مع الدكتور حسن الشافعي كبير مستشاري شيخ الأزهر أن يمتد إلى هموم لغة الضاد وقضاياها بعد أن تم انتخابه رئيسًا لمجمع اللغة العربية بالقاهرة والذي يضم في عضويته علماء من كافة أنحاء العالم العربي.. وما بين تطوير الازهر وما تموج به الساحة الاسلامية من متغيرات صاخبة أحيانًا وفائقة أحيانًا وما بين المجمع وطموحات رئيسية له مر ما حدث للغة العربية من صنف وتشوهات وما يمكن أن يعترض المجمع لها وهي تعاني من عولمة زادت وطائتها تقصير أهل العربية في حقها.. كان هذا الحوار الذي أجرته «الرسالة» مع الشيخ الازهري الذي تولى سدة المجمع بالانتخاب. ماذا عن مشروعك الشخصي لتطوير المجمع بعد أن أصبحت رئيس المجمع؟ بعد نجاحك في انتخابات رئيس مجمع اللغة العربية بالناشئة العربية فئة الأطفال والناشئين العرب من الشباب والصبا، وإن كان المجمع قدم لهم خدمة قديمة وهي صدور معجمين «الوجيز للأطفال والوسيط للشباب» أما الخدمة القادمة هي قيد الصدور هي المعجم المصور ليرى الطفل العربي الكلمة مصورة، ولكن هناك في العالم معاجم للناشئين تخاطبه بالصورة والصوت وهذا مهم جدا جدا فالصوت هو الذي يبين النطق السليم. فاللغة الحقيقية هي اللغة المسموعة والمنطوقة والمتداولة بين اهلها وليست المكتوبة فحسب، وهذه قد اصابها نتيجة الصراع مع عوامل كثيرة وكما يقول الخبراء اصابها في عقر دارها انواع من الضعف اثرت على الجانب الذي اسميته الاداء اللغوي المعاصر، وبالتالى لن نقتصر على تقديم المعاجم المنوعة صوتا وصورة واحياء التراث القديم فقط، ولكن سنبسط ونييسر قواعد النحو والصرف للتلاميذ والطلاب ونطور كتاب القواعد اللغوية الذي يحويهما بحيث يكون على نفس مستوى الكتب المماثلة لدى الأمم الأخرى. ومن أهم الوسائل لذلك ربط القواعد بالأدب والشعر فيخف جفاف القواعد الصرفية والنحوية ومن بين ما عنيت به وسنواصله دراسة اوضاع اللغة العربية والاعلام والفكر العلمي، ولمجمع القاهرة دور معروف في هذه المجالات الثلاثة ولدينا مقترحات اسفرت عنها مؤتمرات عقدت لهذا الغرض في الاعوام الثلاثة السابقة. الترجمة والنشر هل اللغة العربية حقيقةً في طريقها للانقراض وكيف يمكن المحافظة عليها؟ لاشك إن هناك لغات يتعهدها الفناء في دنيا العولمة، لكن اللغة العربية بحمد الله كما يقول الخبراء بمنجاة من هذا المصير المشئوم، ولكن لا ينبغي لنا أن نكتفي بذلك، ولكن علينا إن نعيدها إلى سابق مجدها، أولا على لسان اهلها، ثانيا أن تواكب الحركة العلمية، وفي هذا الصدد فان الترجمة والعلاقة المتبادلة اخذا وعطاء بين اللغة العربية واللغات الأخرى وخصوصا لغات الانتاج العلمي اصابها ضعف رغم الجهود القيمة لمجمع القاهرة ولعديد من المجامع وبالاخص مركز الترجمة في المغرب العربي. إلا أن هذه الجهود تحتاج إلى أمرين ينبغي لمجمع القاهرة أن يقوم بهما بالتنسيق والتعاون مع سائر المجامع، الأول هو الترجمة، فالمتابع للإنجليزية يجد انه لا يصدر كتاب مهم إلا ويترجم للإنجليزية وغالبا ما يتم هذا في عام صدوره، أما اللغة العربية فللأسف الشديد فإنها تلهث وراء هذا التطور الزاخر من الإنتاج الفكري والإبداع العلمي الذي لا يكاد يتابعه المختصون في مجالات تخصصهم إلا بجهد جهيد، وبالتالى لابد من التنسيق لحركة عربية مشتركة متعاونة ومتكاملة للترجمة من اللغات الناشطة واليها، كما كان لدينا في الماضي عندما كان العلم ينطق بالعربية ما نقدمه، وتراثنا الثقافي والادبي الذي لو تم ترجمته وصوره العرب والمسلمين في العالم. أما الأمر الثاني فالى جانب حركة الترجمة المتكاملة، العمل على نشر انتاج واصدارات مجمع القاهرة وسائر المجامع بالتعاون بينهم على نحو يضمن صون هذه الجهود التي يقدمها رهبان متخصصون في محاريب العلم، ولا يكاد يحس بها القارئ العربي والمثقف العربي والناشئة العرب. عولمة وتقصير برأيك ما عوامل التهديد الذي تواجهه اللغة العربية؟ بالنسبة لأهم المخاطر فلها عدة أسباب الخطر الخارجي ويتمثل في العولمة والقصور في حركة الترجمة وقد سبق ايضاحها أما الخطر الداخلي فيتمثل في تقصير اهلها وهو ما ادى إلى غزو اللغات الأخري للعربية في عقر دارها نتيجة ضعف تعليم العربية أو سوء تقديمها مما يبغض الناشئة العرب في استيعابها وفي الارتباط بها ويلجأون للغات أخرى ونفس الشيء ينطبق على الجامعات والمعاهد التي تجعل المناهج بلغات غير العربية وان كنا نحتاج إلى هذه اللغات ولكن تكون بعد العربية وليس قبلها. الأزهر يستعيد دوره وهل ترون دورًا للأزهر في الحفاظ على اللغة العربية؟ الأزهر هو حصن اللغة العربية، وهو الذي حافظ عليها لأجيال، ولكن المشكلة انه منذ عام 1961 حدث تغييب متعمد وإضعاف لدور الأزهر رسميا بقانون الأزهر رقم 103 مما أدى إلى تفريغ الأزهر عمليا من الدراسات الشرعية والدينية سواء في العقيدة أو الفقه أو اللغة العربية، وقد حارب الأزهر طويلا وعلى مدار أجيال للحفاظ على اللغة العربية بحكم كونها الوسيلة لفهم القران الكريم والسنة النبوية الشريفة، يقول تعالى «كتابًا عربيًا لعلكم تعقلون»، ونتج عن ضعف المناهج الأزهرية وعلى رأسها العربية ضعف مستوى الخريجين بشكل جعلنا جميعا نشكو منه، ولكن منذ تولي شيخ الأزهر الدكتور احمد الطيب بدأ حملة إصلاح كبيرة للمناهج الأزهرية، منها إنشاء ثانوية أزهرية جديدة يؤهل خريجوها إلى الجامعات الشرعية، بحيث يخرج لنا جيل محصن باللغة العربية إلى جانب العلوم الشرعية منذ البداية، وخاصة ان خريجي الأزهر المتفوقون كانوا يذهبون للكليات العملية ولا يبقى للكليات الشرعية غير المستويات الضعيفة فقط. الأزهر صانع الثورات ماذا عن رؤيتك لدور الأزهر الوطني قبل وبعد الثورة؟ في الواقع الأزهر يدرك ان واجبه الأول هو تنظيم البيت من الداخل، اي مسألة التعليم الأزهري، ولكن الأزهر يدرك أيضا مسؤوليته الأدبية والدينية والوطنية تجاه الوطن وتجاه الأمة الإسلامية كلها، وهو لم يتخل يوما عن هذه المسؤولية، فشهداء مصر ضد نابليون هم علماء أزهريون، والذي قتل كليبر كان شابا اسمه سليمان الحلبي، جاء من حلب ليدرس في الأزهر، والذي فجر ثورة عرابي شاب اسمه احمد عرابي كان أزهريا، ودخل الجيش المصري وأصبح ضابطا به، كما كان سعد زغلول مفجر ثورة 1919 أزهريا، بما يعني ان للأزهر دوره الوطني في كل وقت وكل زمان ولا يملك ان يبعد، ورغم إننا لم نشترك في ثورة 1952 لأنها كانت ثورة ضباط جيش، إلا أن الأزهر اشترك بكل كيانه في ثورة 25 يناير، ولذلك برز دور الأزهر مرة أخرى في الساحة الوطنية والتي ترجمها في صورة مشاركة متواصلة وتفاعل مع كل الأحداث منها إنشاء بيت العيلة لمحاربة الطائفية ومنها إصدار وثيقة الحريات التي اجمع على أهميتها العالم كله... الخ. مرجعية الأزهر الكثيرون يراهنون على ان الأزهر هو المرجعية الوحيدة للخروج من الاختلافات بين التيارات الإسلامية التي ظهرت على الساحة مؤخرًا.. هل هم محقون أم واهمون؟ كل التيارات والأطياف الوطنية وبالأخص الإسلامية قد التقت في الأزهر، وهم جميعا يعترفون بمرجعية الأزهر، والمجتمع المصري كله لمس ان الوثائق التي أصدرها الأزهر ركزت على حقوق الإنسان وعلى الحريات العامة، واهتمت بحاجات الفقراء والمهمشين وغيرهم، ووجوب كون الشريعة الإسلامية هي المصدر الأول للقانون، والأزهر بفكره الوسطي يوازن بين ما عساه يكون في الساحة السياسية أو التيارات الفكرية من ألوان متفاوتة، ولحسن الحظ ان الجميع يعترف بالمرجعية الدينية للأزهر ليس لمصر فقط وإنما للعالم الاسلامي كله وبالأخص للدول التي تعتنق مذهب السنة والجماعة. الصين والاسلام كيف ترى تطور الوضع في العالم الاسلامي بعد ثورات الربيع العربي؟ التطورات الجديدة في العالم الاسلامي مبشرة، ولكن لا يعني هذا إننا سنمسك بمقاليد العالم كما كان من قبل إلا على المدى البعيد، واعتقد ان الحضارة الصينية هي الصاعدة الان، ثم يليها مباشرة المد الاسلامى، ونحن نؤمن تماما بقول النبي صلي الله عليه وسلم «سيأتي يوم يدخل فيه الدين الاسلامي كل مكان يدخله الليل والنهار». الصعود الهائل للتيارات الاسلامية الحالي هل يحقق هذه النبوءة؟ يقربها، لكن المسألة تحتاج إلى ان يصبح لنا رصيد علمي وفكري لان الصراع الآن أصبح صراع عقول وصراع مصالح، والذي يحمي المصالح هو الفكر، ويمكننا القول ان المد الاسلامي بدأ بالفعل في العديد من الأقطار الأفريقية، وكان موجودًا من قبل في لبنان والأردن وسوريا واليمن وغيرها، وموجود كذلك في المملكة العربية السعودية والخليج، وهناك حركات دينية في شبه القارة الهندية وفي وسط آسيا، والحراك الان أصبح ممتدا في عروق العالم الاسلامي كله، بغض النظر عن الصيغة، فليس شرطا ان يكون بصياح الميادين ومواجهات الشباب وخلافه، ولكن الحراك الفكري والاجتماعي قائم، ذلك هو الذي يوحي بقرب عودة العالم الاسلامي إلى مكانته من العالم، فالمركزية الحقيقية يجب ان تكون مكة والعواصم الإسلامية تكون حولها كاستانبول، القاهرة، إسلام أباد، اندونيسيا وغيرها، خاصة ان الغرب بدأ يدرك انه ليس وحده بالعالم، وان المد الإسلامي يجتاح العالم. فضائية الأزهر سمعنا عن قناة فضائية للأزهر متى ستطلق وإلى ماذا تهدف؟ الأزهر مؤسسة عالمية، وبالتالي يجب ان تكون القناة على نفس المستوى، وهو ما ينبغي الإعداد له الإعداد الجيد حتى تكون قناة الأزهر منبرا إعلاميا يظهر وسطية الأزهر وسماحته التي تعبر عن الصورة الحقيقية للإسلام، لدينا دراسة جدوى ولدينا خبرات ولكننا نحتاج إلى المحترفين، وفي الحقيقة أنا شخصيا ممن يرهبون العمل الإعلامي، فالإعلام مثل الفرن يحتاج ان يأكل 24 ساعة، وهذا يحتاج إلى حرفية ومهنية أكثر منها إمكانات مادية، فانا دخلت قناة الجزيرة منذ 10 سنوات وأكثر في قطر وكانت مجرد شقة بالرغم من إنها مؤسسة إعلامية ضخمة، فعلمت ان الإعلام فكر يحتاج إلى خبرة ودرجة عالية من الحرفية والذكاء المهني أكثر منه امكانات مادية. وان شاء الله يكون فيها جانب للحوار الفكري والديني والحضاري والثقافي، بحيث نظهر فكر الأزهر المتفتح والذي يعبر عن الإسلام الوسطي المعتدل، وخاصة ان كثيرا من المراكز الغربية يلجا إلينا لإعداد الائمة للجاليات الإسلامية في الخارج، مع العلم إننا لا نتعرض للعقائديات، وإنما نركز على غرس الفضائل المشتركة التي لا يختلف حولها دين، وكذلك وحدة المصالح وحسن التعايش، ونحن جميعا محتاجون لذلك، ولو حدث ذلك في حلقات الحوار الديني والحضاري لاستطعنا ان ندحض فكرة الصراع الحضاري الحتمي مع العالم أو مع الدين الاسلامي كما قال هنتنجتون وزميله الياباني فوكوياما.