يصرخ إدغار موران قائلاً:» ينبغي علينا التفكير في عصر جديد للتقنية و العمل على تشجيعه, حيث إنه على هذه الأخيرة أن تتجاوز عصرها المتوحش الراهن,الميكانيكي,و الحتمي,و المغالي في التخصص, الذي بسماحه بإضفاء الطابع الإنساني عليها سيسمح من خلال إعادة إضفاء الطابع الإنساني علي الإدارات و الشركات بإعادة الطابع الإنساني على الحياة اليومية». صاحب هذه الصرخة هو فيلسوف فرنسي معاصر و المدير الفخري للأبحاث بالمركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية و يعتبر أحد المنظرين للفكر المعاصر و لتاريخ الثقافة الأوربية والعالمية و صاحب نظريات»التعقيد» و «إستراتيجية الفكر الُمركّب» و» المقاربة العبر مناهجية». صرخته أتت في كتاب له بعنوان» نحو سياسة حضارية» ترجمه الى اللغة العربية الدكتور أحمد العلمي أستاذ الفلسفة المغربي و من الإصدارات التي تنشرها الملحقية الثقافية السعودية في باريس ضمن مشروع»الترجمة» الذي يسعى الى ترجمة أعمال من والى الفرنسية و العربية لمفكرين و كتاب فرنسيين و سعوديين والذي بلغ حتى اليوم (12) عملاً مميزاً كهذا الكتاب .. الكتاب على صغر حجمه يطرح في رؤية تنظيرية عميقة «التوحش»الذي خلقته الآلة المعاصرة على طبيعة الحياة البشرية والتي أفرزت أمراضاً خاصة بها ,مثل القلق و عدم الرضا و الاكتئاب و تفسخ النسيج المجتمعي و العزلة , و يرى ضرورة إيجاد «سياسة حضارية» تعيد للآلة المتوحشة « الطابع الإنساني» لتضمن استمرارية بقائها في سيرورة تتفق مع المكون العام للمجتمعات البشرية. ما يطرحه إدغار موران عن أزمة الحضارة في المجتمع الفرنسي يكاد ينطبق على كثير من المجتمعات الإنسانية المعاصرة بما فيها مجتمعنا السعودي الذي تهيمن عليه الذهنية التطبيقية,نسبة الى العلوم التطبيقية, دون مراعاة للجوانب الإنسانية , وهو ما أدى الى نشوء عديد من المشاكل أصبحت اليوم عصية الحل رغم سمة «المحافظة» و «الهوية الإسلامية». اتفقنا أنا والزميل الدكتور عبدالله الخطيب الملحق الثقافي السعودي في باريس الذي كان وراء هذا المشروع الرائع بدعم و تفهم وزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري, أن كتاب إدغار موران يستحق أن يكون «خارطة طريق» لكل من يود أن يصنع تحولاً حقيقياً في إدارته.. وستكون لي وقفات أخرى إن شاء الله مع بعض إضاءاته. باريس 31/1/2012م