أن يؤيد الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي بعض الثورات ويدعم الثائرين ويعبئهم للانقضاض على بعض أنظمة الحكم القمعية، فهذا حقّه. أما أن يتجاوز الشيخ ذلك إلى (إجازة) التدخل الأجنبي المسلّح لفرض الحماية للمدنيين في سوريا، فهذا ما ليس له حقّ فيه. هناك فارق بين المسائل الشرعية والتشريعية وبين القضايا السياسية المحضة. وقضية التدخل الأجنبي هي قضية خلاف سياسي لم تستطع أن تحسمها أطراف المعارضة وقوى الثورة نفسها، فكيف يعطي الشيخ القرضاوي هذه القضية بُعداً دينياً ويصدر بشأنها فتوى دينية؟! إجازة أمر ما من الناحية الشرعية تعني تصنيفه ضمن خانة الحلال، وعدم إجازة أمر ما من الناحية الشرعية تعني تصنيفه ضمن خانة الحرام. ومسألة التدخل الأجنبي المسلح لا تحتمل التحليل أو التحريم، لأنها مسألة سياسية، وفوق ذلك فهي مسألة خلافية بين أصحاب الشأن والمعنيين بالموضوع أنفسهم.. فكيف يسمح الشيخ القرضاوي لنفسه إذن بالإفتاء في هذا الموضوع وبالحديث عنه من منطلق الحلال والحرام؟! مطلب توفير الحماية للمدنيين وما يستدعيه هذا المطلب من تدخل أجنبي مسلح، هو هو قضية رأي وموقف.. وبصفته أحد المتابعين والمعنيين بالشأن الإسلامي، وبصفته أحد العلماء الذين يتعاطون الشأن السياسي منذ فترة بعيدة، فإن من الطبيعي أن يكون للشيخ القرضاوي موقف سياسي واضح من هذه القضية. لكن أن يسعى الشيخ لتحويل موقفه السياسي إلى فتوى شرعية، فهذا يعني أنه يخلط بين متغيرات السياسة وما تستدعيه من ردود أفعال وممارسات مرهونة بتقلبات الأوضاع على الأرض، وبين ثوابت الدين ومبادئه الأولية التي لا ترتهن للظروف ومتغيراتها. والأصعب من ذلك أن الشيخ بإجازته للتدخل الأجنبي، يكون قد منح موقفه السياسي صفة العصمة. وهذا هو أخطر ما يمكن أن يقع فيه أي عالم دين يتصدى للشأن السياسي. الاختلاف في المواقف السياسية ليس ظاهرة جديدة بين أصحاب العلم، ولعل اختلاف الشيخين أبوبكر وعمر رضي الله عنهما حول العديد من المسائل ومن بينها حروب الردة وواقعة مالك بن نويرة، هي أفضل دليل على أن اختلاف المواقف والرؤى السياسية لا يخضع للفتوى وإنما للرأي، وأن الاجتهادات المتباينة المصاحبة لهذه الظاهرة لا يمكن أن تدخل ضمن دائرة الحلال أو الحرام أبداً. هناك فرق كبير بين التأييد والإجازة.