في لقاء أخوي ودي دعانا إليه الأخ الكريم والصديق الحميم سعادة الدكتور طارق بن عبدالله لنجاوي المدير العام التنفيذي لمستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة، في الأسبوع الماضي، قدّم لنا مجموعة من الشبان الكرام النجباء من طلاب جامعة الملك فهد للبترول والمعادن عرضاً مشوقاً عن إنجاز علمي جدير بالاهتمام يحسب للجامعات السعودية بعامة، ولطلاب وأساتذة كلية الهندسة بجامعة الملك فهد بخاصة، وهو تصنيع سيارة تسير بالطاقة الشمسية، والمشاركة بها في سباق دولي أجري في أستراليا في الصيف الماضي وتحقيق مركز جيد في السباق أتى قبل مراكز حققتها دول متقدمة منها بريطانيا، بلغ عددها سبعاً وثلاثين دولة. وهذا الفريق العلمي السعودي المكون من الطلاب بالدرجة الأولى وبإشراف الأستاذ عمرو قطب أطلق على نفسه اسم (سراج) كما أطلق على هذه السيارة الفريدة التي صنعها اسم (وَهْج)، وذلك تيمناً بالآية الكريمة «وجعلنا سراجاً وهاجاً»، وإشارة إلى الطاقة الشمسية التي تسيّر هذه السيارة التي تعتبر المرحلة الأولى من منتجات هذا الفريق التي ستليها منتجات أخرى لا تقل عنها أهمية إن شاء الله. والمشرف على الفريق الأستاذ الدكتور عمرو قطب شخصية علمية مرموقة، وهو معروف داخل المملكة وخارجها، فهو حاصل على درجة الدكتوراة من جامعة ألاباما بأمريكا وله عدة اختراعات مسجلة عالمياً، بعضها بشراكة مع وكالة ناسا الفضائية بأمريكا، كما أنه حاصل على وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى عام 2006م، تقديراً لجهوده العلمية، ضمن مجموعة من العلماء والمخترعين السعوديين الذين كرمتهم الدولة للنهوض بالبحث العلمي الجاد والأخذ بيد النابغين من علمائنا السعوديين الطليعيين وأذكر أنه كان من ضمن المكرمين سعادة الأستاذ الدكتور وليد حسين أبوالفرج وآخرون. أما فريق الطلاب فيضم طلاباً من قسم الهندسة الميكانيكية وأقسام أخرى منهم عبدالله نور الخضير قائد الفريق، وماجد طارق لنجاوي نائب القائد، وحسن الأهدل، ومحمد أبوشريفة، وإسماعيل تمبكتي، وعمر العيسى، وأحمد الصقعوب، وإسماعيل الراوي وأحمد ناصر النمر، وعلي الشقاق، وعمرو شريف (طالب عماني) وسواهم، وأنا أذكر أسماءهم عن عمد إمعاناً في تشجيعهم والشد على أيديهم. كما لا بد لنا من الإشارة إلى أن عمل هؤلاء الطلاب المخلص والجاد في هذا المشروع الذي أعتبره مشروعاً وطنياً من الطراز الأول، هذا العمل تسبب في تأخر تخرج معظمهم لأنهم حذفوا فصلاً دراسياً ليتفرغوا لعملهم الدؤوب في المشروع، وقد ذكروا أن ساعات العمل فيه بدأت باثنتي عشرة ساعة يومياً وزادت شيئاً فشيئاً إلى أن وصلت إلى عشرين ساعة بمعنى أنهم ما كانوا ينامون في المراحل الأخيرة سوى أربع ساعات ليلياً فقط. وقد استغرق صنع السيارة عشرة آلاف ساعة عمل شارك فيها 12 طالباً وهي ساعات جد طويلة وتنم عن إخلاص وتقانٍ يندر مثيله. وقد شرح الطلاب أن المشروع تطلب تدريباً مكثفاً للفريق جزء منه فني كالتدريب على (اللحام) Welding، وكذلك التدريب الإداري والإعلامي لبعض المشاركين، ومن ثم وُضِع تصميم السيارة بعد اجتماعات أسبوعية مكثفة، وقبل صُنع السيارة صَنَع الفريق القالب الذي يصنع جسمها الخارجي- وهو الإنجاز الفني الأبرز في تقديري لأن صنع الآلات أو القوالب التي تصنع المنتج هو الأهم والأصعب- ومن ثم صممت الماكينة، بعدها قُصّ (الفوم) الذي يدخل في تكوين الجسم الخارجي للسيارة، ثم بدأت عملية (التنعيم) للفوم وأضيفت إليه سبع طبقات من (الفايبر جلاس) إلى أن ظهر الشكل الخارجي بعد 5 أيام، واستخدمت في ذلك ألياف الكبلر وألياف الكاربون التي تستعمل في سيارات الفورميلا (1)، وقد أنهى الفريق بعد ذلك صناعة الجزء العلوي من السيارة ومقدمتها إضافة إلى الهيكل الداخلي أو (الشاسيه) كما يسمى قبل أن يصلوا إلى أستراليا للاشتراك في السباق العالمي ولم يكن لديهم سوى ثلاثة إلى أربعة أيام على الأكثر لإكمال السيارة وكان عليهم تركيب المحرك وتوصيل الكهرباء وضبط الإلكترونيات وسوى ذلك في هذه المدة القصيرة، وقد قبلوا التحدي وواجهتهم عقبات لا تعد ولا تحصى خصوصاً في يوم الفحص الأخير حين ظهرت مشكلات كهربائية ولم تعمل السيارة وكادوا ييأسون إلى أن عرفوا موضع الخلل وعملت في آخر لحظة. وشاركوا بها في قطع مسافة ثلاثة آلاف كيلو متر داخل أستراليا ما بين مدينة داروين في الشمال وأديليد في الجنوب بمعدل قيادة بين التاسعة صباحاً والخامسة عصراً يومياً وشحن بطارية السيارة في الأوقات المتبقية وحققوا المركز السابع والعشرين كما ذكرت وتفوقوا على دول متقدمة منها بريطانيا. إن هذه الجهود العلمية التي تبذلها الجامعات السعودية وتحقق تفوقاً عالمياً تستحق كل الإشادة والتقدير، وبالأمس القريب قرأنا عن توقيع اتفاقية بين جامعة الملك عبدالعزيز بجدة وجامعة بريطانية وأخرى يابانية لإنتاج طائرة دون طيار تحلق بالطاقة الشمسية، وهو أمر يحسب بكثير من التقدير للجامعة كما يحسب لقسم هندسة الطيران وكلية الهندسة، بعد أن كانت الجامعة أطلقت طائرة دون طيار قبل سنوات أنتجت وصُممت بالكامل حلقت ثم هبطت بسلام وشدت إليها اهتمام الأوساط العلمية المحلية والعالمية. كما أن السيارة (وهج) التي تفتق عنها الذهن المبدع لفريق (سراج) تعتبر حدثاً علمياً مهماً داخلياً وخارجياً، ولم يلقَ هذا الحدث ما يستحقه من الاهتمام الإعلامي الداخلي رغم اهتمام الإعلام الأسترالي به. ناهيك عن استحقاق الفريق كاملاً للإشادة والتكريم.