لا أعرف لماذا لا يدرس بعض الزعماء التاريخ، ويستوعبونه جيدًا، لكيلا يقعوا في المحظور. فالتاريخ السياسي يجب أن يكون مادةً إجباريةً على كلِّ مَن أراد العمل بالسياسة، وهو مليء بالمواعظ والدروس، من خلال قراءة وتسلسل الأحداث التي مرّت على العالم في حروبه الباردة والساخنة معًا، فالذي لا يلم بالكيفية التي تفتت فيه دول الاتحاد السوفيتي، لا يعرف قصة هدم «سور برلين»، والذي لا يتّعظ بالمصير الذي آل إليه (صدام حسين) نتيجة غطرسته، وكبريائه، وعنفه، يكون مصيره ك(القذافي). كان على (صدام حسين) أن يتّعظ من المصير الذي آل إليه (عبدالناصر)، عندما هدّد إسرائيل برميها في البحر، حيث كان يعوّل في ذلك على علاقاته القوية وقتها ب(الاتحاد السوفيتي) حينذاك، ويعتمد من جهة أخرى على قوّته العسكرية التي أجرت بروفة في حرب (اليمن)، وعلى جبهات ستفتح من قبل الأردن، وسوريا، والعراق، وكانت النتيجة أن خسر العرب معاركهم في ستة أيام، وتقلّصت رقعة مساحات الأراضي العربية، وضُمت إلى إسرائيل، بدون أن يلجأ (الصهاينة) إلى تجفيف ملابسهم من مياه البحر، ولأنّ (صدام) لم يتّعظ، مصرًّا على احتلاله دولة الكويت، وهدّد بحرق المنطقة، وضرب المصالح الغربية، معتمدًا هو أيضًا على علاقاته الجيدة مع (روسيا)، ذاق من نفس الكأس، وهُزم شر هزيمة، وانتشل حيًّا من (القبو) الذي كان يختبئ فيه ذليلاً مكسورًَا، وكذلك فعل (القذافي) الذي نصّب نفسه «ملك الملوك، وإمبراطور إفريقيا» حيث فرّ من نعيم قصوره في (العزيزية)، ولجأ إلى سراديب مياه المجاري!. وكان الأمل أن يستفيد الرئيس السوري (بشار الأسد) من هذه الدروس، فهو لم يكن بحاجة إلى قراءة هذا التاريخ بالذات، لأنه كان من صُنّاعه، وشاهد عيان على تلك الأحداث، عاشها وهو على سدّة الحكم في سوريا، ولو كمتفرج، رأى كيف تهاوت عروش الذين ظنوا بأنهم رؤساء عظام، وأن كراسيهم لا تليق إلاّ بهم، فكرّر نفس الغلطة مهدّدًا ب(حرق المنطقة، وضرب المصالح الغربية، وإيقاظ خلاياه النائمة)، معتمدًا بذلك على دعم روسيا له، ووقوف إيران إلى جانبه، وكذلك على خطابات (نصر الله) الحماسية. ولابد ل(الأسد) أن يعلم بأنه لا يمكن للعالم أن يقف موقف المتفرج على مشهد القتل الذي تمارسه قواته بحق شعبه الأعزل، ولابد له أن يدرك بأن رهانه على كلٍّ من إيران، وروسيا، وحزب الله رهان خاسر، إذ لا يمكن لإيران التي تجرّعت مرارة الحرب مع العراق (فقط)، ووافقت مرغمة على قرار وقف إطلاق النار، ونهاية حرب الثمانية أعوام، لا يمكن لها أن تكرر المأساة من أجل عيون (الأسد)، فالحرب العراقية الإيرانية أطاحت بكبرياء (آية الله الخميني)، وجعلته يركع، ويطلق مقولته الشهيرة «إنه يأمر القوات الإيرانية بوقف إطلاق النار، شاعرًا أنه يتجرّع كأسًا من السُّم». والثورة في سوريا أتت من الداخل، وليس من الخارج، والخلاف مع النظام يأتي في نطاق ضرورة الحفاظ على أرواح الشعب السوري، وسحب كل مظاهر وأدوات القتل من دبابات وغيرها من الشوارع، لا لاحتلال سوريا، والعجيب في الأمر أن يهدد (الأسد) العالم بالحرق، إذا ما اتفقوا على إزاحته من كرسي الحكم، بينما استسلم -ومن قبله والده- لاحتلال الجولان، وهو شحيح إلى أقصى حد في بذل الدم من أجل استعادة (الجولان) المحتل. وكريم إلى أبعد حد في إراقة دماء الشعب والجيش من أجل بقائه على الكرسي.