ما أعظم شأنًا من أن يرتبط اسم إنسان بالعطاء في مجالات الحياة.. وإذا كانت سمات أي إنسان تتشكل من اهتماماته وأعماله ونتاجه فيكفي أن نلقي نظرة على بعض المسؤوليات التي تولاها سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز-رحمه الله- لكي نعلم كيف امتد عطاؤه ليشمل كل مناحي الحياة.. فقد كان أميرا على الرياض ثم وزيرًا للزراعة ثم وزيرًا للمواصلات ثم وزيرًا للدفاع والطيران ثم وليًا للعهد، وترأس لفترة طويلة اجتماعات اللجنة العليا لسياسة التعليم، واللجنة العليا للإصلاح الإداري، ومجالس القوى العامة، وكان قبل وفاته يترأس الهيئة العليا للدعوة الإسلامية، والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ومجلس إدارة الخطوط الجوية السعودية، والهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها، واللجنة الوزارية البيئية، ومجلس إدارة المؤسسة العامة للصناعات الحربية، واللجنة العليا للتوازن الاقتصادي، ومجلس إدارة الموسوعة العربية العالمية، فضلا عن تبوئه منصب الرئيس الأعلى لمؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية. أما وقد أفضى إلى ما عمل، فلم يعد بحاجة إلى شهادة منا أو من غيرنا لكي نقول في حقه ما يجب أن يقال، فنحن إنما نحسب أنه من أصحاب العطاء الوافر ولا نزكي على الله أحدا، وإنما نظن أن من هم على شاكلته من الرجال لا يغيبون تمامًا عن واقعنا، بل هو غياب لا يلغي الحضور، فهم يستمرون في ذاكرة الوطن بجهدهم وعطائهم ووطنيتهم. ولذا فلا يسعنا في هذا المقال إلا أن نقدم لمحات من بعض الجوانب التي عاش الأمير سلطان بن عبدالعزيز-رحمه الله- في كنفها ورعاها وعايشها. ففي مجال الثقافة قام بتمويل وتوجيه إصدار الموسوعة العربية العالمية، وهي عمل موسوعي تعليمي وثقافي بارز في تاريخ الثقافة العربية الإسلامية، شارك في إنجازها أكثر من ألف عالم ومؤلف ومحرر ومراجع علمي ولغوي، وهي تتكون من 30 مجلداً فاخراً تحتوى على 17 ألف صفحة يوجد بها 12 ألف صورة، 2500 خريطة، 4000 إيضاح، 1000 جدول إحصائي وزمني، وعدد مقالاتها يقارب 24000 مقال. وقد صدرت الطبعة الثانية منها في عام 1419ه- 1999م، منقحة ومزيدة ومحدثة. كما صدرت الطبعة الإلكترونية منها في عام 2004، وكان حجمها 220 ميغا بايت. وأشرف سمو الأمير سلطان بن عبد العزيز-رحمه الله- على إنشاء مراكز الأمير سلطان الحضارية في العديد من أنحاء المملكة، والتي تضم المسارح المجهزة لتقديم المسرحيات وعروض الأفلام السينمائية وغرف المترجمين، وصالات لكبار الزوار والضيوف والأجهزة المساعدة لعقد المؤتمرات والندوات. وقد أنشئت هذه المراكز -أو جاري إنشاؤها- بتبوك وجازان وخميس مشيط وبمحافظة المذنب وبالقطيف وبجدة وحائل. كما كان -رحمه الله- داعمًا للمؤسسة الثقافية بجنيف، ولصندوق الحياة الفطرية بالرياض، وتولى رعاية مشروع الأمير سلطان بن عبدالعزيز للمحافظة على الصقور. وظل يدعم ويرعى مسابقة الأمير سلطان بن عبدالعزيز السنوية لحفظ القرآن والسنة في العديد من الدول الإسلامية ، والتي تكفل بجوائزها وسائر تكاليفها على نفقتة الخاصة. فضلا عن ذلك فقد ساهمت مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز الخيرية غير الربحية والتي أنشأها وينفق عليها منذ عام 1995 في تطوير صناعة النشر ودعم الإصدارات العلمية التي تثري المكتبة العربية. وخلال العام المنصرم دعمت المؤسسة إصدار أطلس الصور الفضائية للمملكة وأطلس تعليمي لدارة الملك عبدالعزيز، إلى جانب تبنيها لمشروع خيري لتوزيع الكتب العلمية. وندرة هم من من كانت لحياتهم أهدافا واضحة محدودة، يسيرون لإنجاحها بثبات وحكمة، فلا يسعنا حين نرى اهتمام الأمير سلطان بن عبد العزيز يرحمه الله بالتعليم والبحث العلمي إلا أن نعجب من هذا الدأب والإخلاص في هذا المجال على وجه الخصوص والذي لا يكون إلا لإيمان راسخ بأهمية العلم والعلماء والباحثين في نهضة وتقدم الامم. فقد دعم يرحمه الله الكثير من البرامج العلمية والجوائز والمشروعات العلمية في مختلف الجامعات والمؤسسات الاكاديمية والبحثية داخل المملكة وخارجها، فأنشأ جامعة الأمير سلطان التي أصبحت في وقت قياسي أحد صروح التعليم العالي في المملكة، كما تبنت مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز الخيرية برنامجًا متكاملًا للمنح تم تنفيذه من خلال اتفاقيات للتعاون مع الجامعات المحلية والإقليمية والعالمية، ومنها الاتفاقية المبرمة مع جامعة الخليج العربي والاتفاقية مع كلية دار الحكمة واتفاقية التعاون مع جامعة الأمير سلطان وكلية إدارة الأعمال، كما تواصل برنامج المؤسسة للمنح البحثية -والذي انطلق قبل نحو 15 عامًا بالتعاون مع جامعات الخليج العربي- ليشمل عددًا من الجامعات العربية والأجنبية، وبلغ عدد المستفيدين من هذه الاتفاقية حتى نهاية العام المنصرم 630 طالبًا وطالبة في مجال التربية الخاصة والرعاية والتأهيل للمعوقين. كما تواصل المؤسسة برنامجها في تحديث وتطوير المؤسسات العلمية والتعليمية القائمة ومن ذلك ما تم تقديمه من دعم لجامعات الملك سعود والأمير محمد بن فهد والأمير فهد بن سلطان ومركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة، بالإضافة إلى تبني إنشاء المكتبة المركزية للكتب الناطقة بوزارة التربية والتعليم والتربية الخاصة. وقدمت مؤسسة الأمير سلطان الخيرية السالف ذكرها دعمًا ماليًا لإنشاء العدد من المنشآت العلمية والبحثية ومن أمثلة ذلك: - منحة لجامعة الملك سعود تبلغ 30 مليون ريال تخصص لاستقطاب باحثين موهوبين في مجالات علمية وتطبيقية متخصصة، من خلال إقامة شراكة علمية بين جامعة الملك سعود وجامعة ميزوري للعلوم والتقنية الأمريكية تقترن باتفاقية تعاون مع المؤسسة. - منحة قدرها 10 ملايين ريال لدعم تأسيس جامعة الأمير محمد بن فهد بالمنطقة الشرقية بالمملكة. - منحة قدرها 15 مليون ريال دعمًا لمركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة، إلى جانب تقديم دعم سنوي للمركز قدره مليون ريال. والأمر اللافت للنظر هو دعمه -رحمه الله- لإنشاء العديد من الكراسي العلمية، والكراسي العلمية هي برامج بحثية أو أكاديمية في الجامعة تهدف إلى إثراء المعرفة الإنسانية وتطوير الفكر وخدمة قضايا التنمية المحلية، ويتم تمويلها عن طريق منحة نقدية دائمة، ويعين فيه أحد الأساتذة المختصين المشهود لهم بالتميز العلمي والخبرة الرائدة والسمعة الدولية. وكان من أبرز تلك الكراسي التي قام بدعمها كرسي الأمير سلطان للتوعية الصحية وتدريب المعلمين في منظمة الأممالمتحدة للتربية والتعليم والثقافة (يونسكو) والذي أسس في مارس 2001، وكرسي الأمير سلطان في هندسة البيئة بقسم الهندسة المدنية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وهو أول الكراسي والبرامج والجوائز العلمية في الجامعة. وفي جامعة الملك سعود قام برعاية: كرسي لتقنية الاتصالات والمعلومات، وكرسي للبيئة والحياة الفطرية، وكرسي للدراسات الاسلامية المعاصرة ، وكرسي جائزة الأمير سلطان بن عبد العزيز العالمية للمياه، وكرسي لذوي الاحتياجات الخاصة. وفي جامعة الملك عبد العزيز بجدة قام برعاية الكرسي العلمي للأقليات الإسلامية. وفي جامعة الأمير محمد بن فهد بالمنطقة الشرقية قام برعاية كرسي الأستاذية لأبحاث الطاقة والمياه. كما حظيت العديد من البرامج العلمية بدعم سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله- ومنها: - برنامج الدراسات العربية والإسلامية في جامعة بركلي في ولاية كاليفورنيا في الولاياتالمتحدة.. ويهدف هذا البرنامج إلى تعليم اللغة العربية والشريعة الإسلامية ودعم الباحثين الزائرين والخريجين وطلاب الدراسات العليا والمهتمين بدراسة الموضوعات التي تهم العالمين العربي والإسلامي بما في ذلك اللغة والتاريخ وعلم الاجتماع وعلم الجنس البشري وغير ذلك من العلوم. - برنامج الأمير سلطان بن عبدالعزيز للتعاون الأكاديمي والثقافي مع جامعة أكسفورد البريطانية لتقديم المنح الدراسية للطلبة السعوديين لدراسة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في مجال العلوم الانسانية. - برنامج الأمير سلطان بن عبدالعزيز لدعم اللغة العربية في منظمة يونسكو. وامتدادا لإيمانه بأهمية البحث العلمي ودوره في خدمة الإنسانية، دعم ولي العهد الراحل الامير سلطان العديد من المشروعات العلمية والبحثية في الداخل والخارج، مثل: مشروعات أبحاث الإعاقة ومراكز المعاقين، ومراكز أبحاث وعلاج أمراض القلب، وأبحاث الشيخوخة والخرف بجامعة الملك سعود، ومركز معالجة الأمراض السرطانية في المغرب، وجامعة الأزهر في مصر، ومركز سلطان لجراحة المناظير في كوسوفا. هذا بالإضافة إلى دعمه لكلية دار الحكمة للبنات في جدة، ودعم مركز الملك عبدالعزيز لدراسات العلوم الاسلامية في جامعة بولونيا في ايطاليا، ودعم الكراسي العلمية في جامعة الملك سعود بمبلغ 50 مليون ريال سعودي، ودعم عدد من الجمعيات والفعاليات العلمية في جامعات السعودية. أما في مجال التقنية فقد شغلت مساحة معتبرة من اهتمامه يرحمه الله، فقد أنشأ برنامج سلطان بن عبدالعزيز للاتصالات الطبية والتعليمية (ميديونت) MeduNet، والذي يهدف إلى تقديم خدمات الاتصالات وتقنية المعلومات للقطاعين الصحي والتعليمي، ويقدم خدمات عديدة، منها: الطب الاتصالي، وخدمات الاتصال المرئي والمؤتمرات متعددة الأطراف، وأنظمة المعلومات الصحية المتكاملة، والتعليم عن بعد، وتصميم وتجهيز الشبكات، وتصميم وتطبيق الشبكات الافتراضية الآمنة. كما أنشأ مركز سلطان بن عبدالعزيز للعلوم التقنية (سايتك) Scitech، والذي نفذ على غرار أحدث المركز العلمية، ويشتمل على 7 قاعات عرض رئيسية تتناول مختلف العلوم والتقنية، تضم أكثر من 350 معروضة علمية، والقبة العلمية، والمرصد الفلكي، وقاعة للمؤتمرات، وقاعة للمعارض المؤقتة بالإضافة إلى المرافق الإدارية والخدمات، ويهدف المركز إلى تثقيف أفراد المجتمع -خاصة الناشئة- بمبادئ العلوم وتطبيقاتها وشرحها وتبسيطها من خلال عرضها بأسلوب تفاعلي شيق يعتمد على التعليم بالترفيه والتعليم بالتجربة والمشاهدة، وتنمية حب الاستطلاع والاستكشاف لمختلف الأعمار، وبلغت تكلفته الإنشائية قرابة 270 مليون ريال سعودي. وقد أهدى الأمير سلطان بن عبد العزيز -رحمه الله- هذا المركز إلى جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في مدينة الظهران عام 2005م ليستفيد منه أبناء المملكة والخليج. هذا غيض من فيض. إن الإنسان إنسان حقًا عندما يجري على يديه الخير لبني الإنسان. إننا حين نتلمس ما أوجده سمو الأمير سلطان بن عبد العزيز -رحمه الله- على أرض الواقع نجده أبلغ وأغنى من أي حديث عن شخصه أو مناقبه. فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. صدق الله العظيم * استاذ المعلومات-جامعة الملك سعود عضو مجلس الشورى