بكى الخيرُ وانهمرت دموعه، وتألّم الوفاءُ وزادت حسرته، واشتكت الإنسانيةُ وظهر حزنها، ونعت الابتسامةُ أميرها الراحل سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله- ليسدل الستار على سنوات من الحب والعطاء. لا أريد أن يكون مقالي هذا تكرارًا لما سُطّر من أحرف وكلمات في الأيام الماضية من الكتّاب الصحفيين؛ الذين تسابقوا في رثاء فقيد الأمة، ومن بينهم أنا، حيث إنني كانت لي مقالة على عجالة عن رحيل سموه، في يوم خبر الفجيعة، لكنني أريد أن يكون مقالي هذا أكثر تعمّقًا في هذه الشخصية الفريدة التي فقدها العالم بأسره. لن أتحدث عن مناصبه السياسية، ولن أستعرض سيرته الذاتية، فصفحات التاريخ، وكتب المؤرخين تزخر بإنجازاته الوضاءة على صعيد المسرح السياسي، ويكفينا أن نسمع اليوم شهادات زعماء العالم في حقّه عندما أقر كل من الرئيس الأمريكي، ورئيس وزراء بريطانيا، وغيرهما من قادة العالم أنهم فقدوا صديقًا عزيزًا، وسياسيًّا محنّكًا. ولكن دعوني أتحدث عن ذلك الجانب الآخر في حياة سموه، ذلك الجانب الذي أبهر الجميع، فلم يترك سلطان الإحسان بابًا للخير إلاّ فتحه، ولم يفوّت مسلكًا للعطاء إلاّ كان له فيه بصمة شاهدة على رجل يفيض قلبه حبًّا وحنانًا للبشرية جمعاء، وما تلك اللقطات الإنسانية التي تعرضها شاشات التلفزة مع طفل معاق، أو جنود مصابين، أو امرأة محتاجة -في أي بقعة من أنحاء العالم- إلاّ غيض من فيض في ينابيع وشلالات العطف والرحمة، ناهيك عن التواضع والخلق الرفيع. سعيتُ جاهدًا لأجمع في عباراتي بين كل تلك الصفات السامية، والمشاعر الرقيقة التي جسّدتها شخصية أميرنا -المغفور له بإذن الله- سلطان الحب والحنان، سلطان التواضع وطيب الجنان. ودّع الجميع فقيد الأمة بدموع الحزن والأسى على فراق حبيب وصديق وأخ ووالد سكن قلوب الملايين الذين أحبوه -عرفوه أو لم يعرفوه- أمّا نحن -ذوي الاحتياجات الخاصة- ففقدنا له عظيم، لأننا فقدنا تلك اللمسة الأبوية الحانية، التي لا يشعر بها إلاّ أمثالنا نحن -أبناءه- الذين غمرنا بحبّه وعطفه، وجاد علينا بابتسامته التي لم تفارق محيّاه، فنسأل الله الرحمن أن يسكنه فسيح الجنان، وأن يلهمنا الصبر والسلوان، فكلنا حنين وحنان لوالدنا سلطان. [email protected]