افترض ويفترض كل المعنيين بشأن التعليم العالي في المملكة، أن مؤسساته التعليمية الرسمية منها والخاصة، هي مؤسسات أكاديمية بحتة، أنشئت للتعليم العالي، وعاء الحضارة ومستودع الرقي، وأنه ينبغي على أي مؤسسة في هذا السياق ان تحقق المتطلبات الأساسية للكليات والجامعة ككل في التدريس وفي الاثر على المجتمع المحلي وفي البحث العلمي المتميز، حتى يستطيع عامة الناس أن يدركوا أنهم انما يتعاملون مع جامعة بكل ما في الكلمة من معنى. ومع الأسف أن بعض مؤسسات التعليم العالي لدينا تدار من مسؤولين وكانها مؤسسات خاصة بهم، وخاصة ممن خلل وعشش لسنوات طوال، يحكمها المزاج لا التعليمات، فمواد اللوائح تعدل وتفصل للتلاؤم مع مقاساتهم لتطبق عليهم دون الآخرين حتى وان بدت لعامة الموظفين، والتعيينات مزاجية ولذوي القربى والاصحاب، والتعليمات توضع شكليا ويطبق غيرها، الترقيات تخمر في دروج لاشهر والبعض يمشي بكل سهولة ويسر، والبحث العلمي المدعوم كالمهدي المنتظر شعارات دون تطبيق، والكادر التعليمي في هجرة مستمرة وعدم استقرار نفسي، ولكل جامعة تعليمات تختلف عن الاخرى . تقوم نظرية الادارة في الاسلام على قاعدة جلية بينة مستمدة من مشكاة النبوة التي لايزيغ عنها الا هالك، ويتربع على قمة اساليبها اسلوب العدل والبعد عن الغش بأي اسلوب كان. ولودققنا النظر في محاولة جادة للبحث والتحري عن واقع هذا الاسلوب اليوم في مجال من اهم مجالات الادارة يستمد قيمته ووزنه من مدخلاته التي كرمها الله الا وهو مجال ادارة مؤسسات التعليم العالي أو فوق الثانوي التي تطبق نظم ولوائح التعليم العالي، لوجدنا ان بعض المدراء والعمداء انشغلوا بنوافل الاعمال عن واجباتهم نحو طلابهم الذين ينتظرون منهم الكثير من الرعاية والتوجيه والتهذيب. ويكون المدير أو العميد غاشاً لرعيته من الطلاب حينما لايبالي ولايشغل نفسه بمتابعة عضو هيئة التدريس الذي لايلتزم بالوفاء بعقده واداء الامانة المطلوبة منه امام ربه ثم طلابه. ويمتد الغش حتى يتصل برعيته من موظفين وأعضاء هيئة تدريس حينما يحابي قريبه ويجامل صديقه، ويخفف عمن يقضي مصالحه الشخصية. ودليل غشه لرعيته ادارة الكلية باسلوب «الشللية» التي لاتمتد جسورها الا بمن هو داخل دائرتها. ولعل حمى الغش الاداري في مجال التعليم العالي اشد ألماً على مفاصل الرعية حينما يكون في ارقى طبقة تعليمية يعرفها المجتمع، وهي طبقة الأكاديميين في الجامعات والكليات. فرئيس القسم الاكاديمي غاش لرعيته ومسؤول يوم القيامة اذا تجاهل شكاوى طلابه المظلومين من اساتذتهم ظلماً بيناً لديهم الدليل عليهم، فيدير ظهره لهذه الشكاوى باسم الحرية والحصانة الاكاديمية التي يتمتع بها عضو هيئة التدريس، ونسي ذلك المسؤول ان الحرية يقابلها المسؤولية التي لابد ان تظهر كوجه آخر للعملة، وإلا كانت عملة مزيفة لاقيمة لها، . وتتوسع دائرة الغش وتنبت فيها عناقيد الحقد والغضب حينما يغتال ذلك المسؤول مبادىء العدالة والمساواة في توزيع الترقيات والمناصب الى متى ستظل عقولنا باردة الفكر نؤمن بالمعتقد السائد والقائم على تلك المصالح المشتركة؟، د. ياسر عبدالعزيز حادي - ينبع الصناعية