يعد المؤتمر العالمي الأول لظاهرة التكفير الذي تنظمه جائزة الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة لبنةً مضيئةً في مسيرتها العلمية المتوجة بالعطاء، فقد جاء يعالج قضية تعد في هذا العصر من أهم القضايا الشرعية ؛ ألا وهي «ظاهرة التكفير» فهي قضية جليلة القدر، ومزلق خطير، بحاجة إلى تأصيل شرعي، وقد نهت الشريعة الإسلامية عن التساهل في تكفير الآخرين وتبديعهم وتفسيقهم، وقد قعد علماؤنا الأفاضل في ذلك عدة قواعد منها: «أنه ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه.. وليس كل من وقع في البدعة وقعت البدعة عليه» واستدلوا على ذلك بما ثبت في «صحيح مسلم» من حديث أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه- قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلاَةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِى ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِى وَأَنَا رَبُّكَ.أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ». وقد تضافرت الأحاديث الصحيحة في الترهيب من تكفير الآخرين ومن ذلك ما رواه مسلم في «صحيحه» من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه) وفي «صحيح مسلم» أيضًا من حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه). وقد حذر العلماء قديمًا وحديثًا من التكفير والتسرع فيه، ومن جملتهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال في «مجموع الفتاوى» (12/466): (وليس لأحد أن يكفر أحدا من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة). وتأتي مشاركة جائزة الأمير نايف بإقامة هذا المؤتمر الرائع مساهمة منها في محاربة الإرهاب ومواجهة الفكر الضال والتوعية بأخطاره، وهي قامة مشكورة بإقامة معرض مصاحب لهذا المؤتمر تحت عنوان «جهود المملكة في مكافحة الإرهاب» وكان من ضمن الكتب التي تم عرضها في هذا المعرض كتاب «التكفير» للدكتور باسم بن فيصل الجوابرة وهو من مطبوعات جائزة الأمير نايف، ونتمنى أن يخرج هذا المؤتمر بعدة توصيات ونتائج للقضاء على هذه الظاهرة والحد من انتشارها، والشكر موصول لراعي هذا المؤتمر العالمي خادم الحرمين الشريفين وفقه الله وولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، وللمنظمين لهذا المؤتمر على جهودهم في خدمة المسلمين وقضاياهم داعيا الله تعالى أن يجعل جهودهم المباركة في موازين حسناتهم.