تحظى مهنة المحاماة بمكانة كبيرة، لما تقوم به من حماية حقوق الإنسان، تحت مظلة الأنظمة التي تضطلع بأهمية الدور الذي يقومون به وتشهد مهنة المحاماة الكثير من الصعوبات والعوائق التي تحول دون قيام المحامي بواجباته على الوجه المأمول، وليست هذه العوائق محصورة في جانب الأنظمة التي لا تزال بحاجة إلى مزيد من التطوير والتحديث الذي يواكب التطلعات والآمال ولو افترضنا بعض الأخطاء والتجاوزات مع موكليهم أو في أسلوب أدائهم لأعمال المهنة لدى الجهات القضائية أو الحقوقية فلا بد من وضع الآلية النظامية التي تعالج تلك الأخطاء والتجاوزات من منظور عقلاني، ولعل هذا الأمر يعود بالدرجة الأولى إلى عدم الدقة في اختيار من يشغل هذه المهنة وضعف الضوابط والشروط المطلوبة للترخيص له، والتي ينبغي أن تشمل على اختبارات دقيقة، ومقابلات شخصية، تساعد على فرز الصالح الكفء القادر من غيره، أما الإشكالية الحقيقية تكمن فيما يواجهه بعض المحامين من الصعوبات والعوائق والمنغّصات التي تجعل الواحد منهم يحمل من الهمّ في سبيل ذلك أكثر مما يحمله بعض القضاة من أعباء العمل القضائي وإشكالاته، والتي قد تصل إلى درجة الإيذاء المعنوي الذي يتعرض له المحامي، والتي توصل إلى الكثير من النتائج السلبية التي تؤدي إلى إضعاف مساهمة المحامين في رفع مستوى حماية الحقوق ورفع المظالم، وإيصال صوت المظلوم والمغلوب على أمره، ذلك أن مهنة المحاماة من أهم قنوات نصرة المظلوم وحفظ الحقوق وردع الظالم عن ظلمه، ولا يخفى أن هذه الغاية الشريفة هي أساس قيام الدول والأمم والمجتمعات وبغيرها يدب الضعف وينخر في جسد الأمة حتى يقضى عليها. فالمحامون يستشعرون بثقل الأمانة أكثر من غيرهم لتحقيق هذا الدور والقيام به والمساهمة الفاعلة مع أجهزة الدولة الرسمية والمنظمات الحقوقية المعنية بتحقيق العدل، إذ لا غنى لهم عن دور المحامي في تحقيق هذه الغاية. إن ما يواجهه المحامي من عوائق وصعوبات كثيرة يعتبر سببًا أساسيًا لرفع أجور المحامين، وبخاصة الأكثر كفاءة وخبرة منهم، إذ لا يمكن لأحدهم - دون أجر مجز ولو نوعًا ما - أن يزج بنفسه في غياهب قضية مفتوحة على كل الاحتمالات ابتداء بطول مدة التقاضي، ومرورًا بعدم القدرة مطلقًا على توقع ما تنتهي إليه القضية من نتيجة في ظل عدم التقنين، وفتح باب الاجتهاد على مصراعيه، وقبل كل ذلك استعداده النفسي لتحمل ما يمكن أن يواجهه من أذىً أدبي أو إهانة أو مقاومة القاضي لدور المحامي حتى يضطر المحامي لفتح باب قضية جديدة يكون هو والقاضي طرفيْها، ويكون المحامي غالبًا الطرف الخاسر. إن هذا الواقع المزعج لمهنة المحاماة لدينا في المملكة جعل كثيرًا من المحامين يتجهون بشكل تدريجي إلى الخروج من هذه المهنة بعد تحقيق قدر من النجاح فيها، والمكسب المادي الذي يُمكّنهم من الدخول في ميدان كسب أو استثمار خال من هذه المنغصات يحفظون به ما بقي من كرامتهم وصحتهم النفسية والجسدية. وبالتالي تخسر المهنة بذلك كثيرًا من جنودها المخلصين. إن كثيرًا من المحامين في ظل هذه الأوضاع يتعذر عليهم - مع رغبتهم الصادقة في ذلك - الاحتساب في القيام ببعض أعمال المحاماة نصرة لمظلوم فقير أو محتاج، لأنهم لا يسلمون من الأذى ويتضاعف عليهم الجهد ولا يجدون من العون والتفهم لاحتسابهم لدى القضاة ما يكون مشجعًا على فتح هذا الباب من أبواب العمل التطوعي الاحتسابي. ولعل من أبرز صور المنغصات وعدم التفهم لدور المحامي ما نسمعه بين وقت وآخر ونشاهده وتعايشه من تصرفات بعض القضاة الذين يبادرون بطرد المحامي أو منعه من الترافع في قضية ما أمامهم دون التزام بالآلية النظامية التي تعالج أي خطأ أو تجاوز يمكن أن يصدر من المحامي، وتكون غالب هذه الحالات أيضًا دون صدور أي تجاوز أو مخالفة من المحامي، بل وصلت في بعض الأحوال إلى منع القاضي للمحامي من القيام بالترافع قبل الدخول في القضية.