لقد ضرب النبي محمد صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في حب الوطن والحنين له، فعندما خرج من مكةالمكرمة، خاطبها بمشاعر فياضة بحبها، وعيناه تذرفان الدمع قائلاً: «والله يا مكة لأنت أحب البلاد إلى الله، وأحب البلاد إلى قلبي، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت».. من هذا القول النبوي نستنتج دليلاً قاطعًا، كيف أن المرء حينما يرتبط بالأرض التي ولد فيها ونشأ بها، فهو يرتبط معها بعلاقة حب ووفاء، تنشأ وتقوى مع مرور الأعوام، حتى أنه ليعز عليه فراق الأرض التي ألفها، وعاش في ملاعبها طفولته، وقضى في مرابعها شبابه، وشكل من ثراها حبًّا وعشقًا أبديًّا يسكن جسده، والمرء يسعد بحب وطنه، ويصبح جزءًا من مشاعره، يملأ فكره في القرب والبعد. وكما قال محيي الدين الخطيب: تحن الكرام لأوطانها حنين الطيور لأوكارها. ونحن في هذا العام 1432ه نحتفل بيوم الوطن ال(81) وكم هو جميل حينما يسمع الأبناء من آبائهم، والطلاب من معلميهم، القصة الكاملة التي تحكي كيف شيّد هذا الكيان، واتّحد سكانه، وتلاحمت أطرافه، مع وسطه في وحدة واحدة، لا فرق بين مَن يسكن شرقه أو غربه، ولا شماله عن جنوبه، ولا عن وسطه، فالجميع يعيشون بداخل وطن أحبوه، ويشعرون بالانتماء إليه، ولعل من أعظم ما يحس به المواطن السعودي أنه رزق بولاة أمر عملوا لوطنهم بإخلاص حتى بلغ في عقود بسيطة نهضة شملت جميع مناحي الحياة، منذ توحد على يد الملك عبدالعزيز ورجاله المخلصين، وتحقق بفضل الله وتوفيقه الشيء الكثير، وما أتمناه في كل عام أثناء الاحتفال باليوم الوطني، أن نعطي الأبناء فرصة أن يحتفلوا بيوم وطنهم، وإن كانت مظاهر السيارات التي تجوب الشوارع، ومنظر الشباب وهم يحملون الأعلام والصور، والشعارات التي تتغنى بحب الوطن، من المظاهر المألوفة في كل عام؛ إلاّ إن الاحتفال قد يكون عن طريق استثمار طاقة الشباب وحماسهم، ودعوتهم إلى حضور مناسبات، وندوات وحضور مهرجانات وحفلات وزيارة المتاحف التي يجب أن تفتح أبوابها المتاحف الحكومية والشخصية، التي تعكس تراث الوطن، وموروثه الشعبي، ودعوتهم للمشاركة في المسابقات الشعرية والنثرية التي تعلنها المدارس لطلابها، ووسائل الإعلام لقرائها، بما يجعلهم يتعلمون كيف يحييون مناسبة اليوم الوطني، لا من خلال المظاهر التي قد تخرج عن حدود آداب المناسبة، وتحول يوم فرحهم بحب الوطن إلى إزعاج وضيق لأبناء الوطن، ولكن من خلال الفعاليات التي تقدم لهم دروسًا عن تاريخ الوطن، وعن وضعه قبل توحيده وما عاناه سكانه وقبائله من تشرذم وفقر وجهل، إلى وطن يفاخر أهله بما تحقق لوطنهم من تقدم ونهضة عمرانية واقتصادية، ووحدة قبائله، على يد قيادة حكيمة عملت خدمة للدين والوطن والمواطن منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- مرورًا بالملوك من أبنائه سعود وفيصل وخالد وفهد -عليهم رحمة الله أجمعين- إلى عهد الخير والإصلاح عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ليتعلموا كيف يحافظون على هذه المكتسبات لوطنهم، وما تحقق له من أمن واستقرار اقتصادي واجتماعي، في زمن تعم الفوضى والاضطرابات بلدانًا حولنا.. ودام عزك يا وطن.