* تحول الوطن في يومه المجيد إلى ساحة خضراء من خلال تظاهرة وطنية عمت فيها المسيرات والاحتفالات وتناغمت فيها لغات التعبير وصوره في مشهد بهي أصبح حاضرًا بقوة في يومنا الوطني. ونحن الذين كنا بالأمس القريب نستقبل هذه المناسبة الوطنية ب»عادية جدًا» بل إن بعضنا لم يكن يشعر بها إلا من خلال وسائل الإعلام، ومن خلال برقيات التهاني التي كانت تصل من رؤساء الدول للتهنئة باليوم الوطني. * هذه التظاهرات هي تعبير واضح بفرحة وطن، وهذه نقطة أولى نحو أن تكون مفردات المواطنة والوطنية أكثر وضوحًا في أذهاننا وعمقًا في وجداننا.. إنها إدراك حسي يقود إلى تحقيق الشعور بمفردات الوطنية بكل قيمها واستحقاقاتها!! * ونشر ثقافة المواطنة (حسًا ومعنى) من أهم الأشياء التي يجب أن نستحضرها في يومنا الوطني بل هي أهم المكتسبات والمخرجات في مثل هذه المناسبة الغالية. * أول أمس لفت نظري في احتفالات أمانة العاصمة المقدسة باليوم الوطني في مدينة الملك عبدالعزيز بالشرائع أن أغلب الحضور هم من الشباب، ورحت أتابع تحركاتهم بدقة، وللحق فقد لمحت ثلاثة أشياء رائعة في هؤلاء الشباب، أولها: تلك الفرحة الطاغية التي يحاولون أن يعبروا عنها بأناشيدهم.. بصيحاتهم.. والتعبير حتى وإن كان في بعض جوانبه يبدو غير منضبط إلا أنه صور من الشعور بالشيء.. وثانيها: أن هؤلاء الشباب كانوا جميعهم يحملون الأعلام ويرفعونها ويمازجون ما بين اللغة والصورة التعبيرية، حتى الصغار كانوا يتوشحون بالأخضر ويرفعون الأعلام الصغيرة في أيديهم، وفي هذا تأصيل الارتباط في الفرح ما بين الوطن وعَلَمه، وهو ما يعني من جانب آخر تكريس القيمة في نفوس الناشئة لعَلَم بلادهم. وثالثها: هذا الحب الجارف لملك الإنسانية عبدالله بن عبدالعزيز، فلا تكاد ترفع صورته -يحفظه الله- أو يأتي ذكر اسمه؛ حتى تعلو الهتافات والتصفيق، بالتأكيد هذا الحب لم تصنعه (الفرمانات) ولا الصولجان، لكنها كل تلك الصفات والأفعال لعبدالله بن عبدالعزيز التي أسكنته قلوب شعبه!! * أقول رحت أراقب أولئك الشباب فوجدت نفسي بأنني أمام أجيال في مقتبل العمر تحتفل بيوم وطنها وترفع علمه وتحب مليكه، هذه الأجيال ستنمو فيهم هذه المعاني الأصيلة مع نمو أعمارهم.. وتبقى مسؤوليتنا نحن في أن نُعزِّز لهم ومعهم هذه الثوابت!! * جلست إلى خمسة من هؤلاء الشباب.. سألتهم ماذا يفعلون..؟! وبماذا يشعرون..؟! قال أصغرهم ببراءة أنا عندي وطنية.. وقال آخر ببراءة أيضًا بدأت أشعر بالوطنية من العام الماضي!! وهو يقصد الاحتفال باليوم الوطني!! وهنا يبرز الخلط ما بين اليوم الوطني والمفاهيم الوطنية الأخرى، ولا بأس، فنشر الثقافة الوطنية من شأنها أن تصحح مع مستقبل الأيام كل المفردات والدلالات.! * أعود إلى ما يمكن أن نسميه (بالشباب والمواطنة)، وهذه في نظري أهم معادلة يجب أن نعمل على تعزيز صياغتها فى اليوم الوطني! * فاليوم الوطني يجب ألا يمر علينا (كوقفة تاريخية) مجردة، بل علينا أن نُحقِّق من خلاله مجموعة من المكتسبات أهمها تنمية قيم الولاء والانتماء في نفوس الناشئة؟! بمعنى آخر كيف ننمي (المواطنة) الحقة وهذه قضية أساسية.. فالمواطنة هي شعور في الجوانح وحس بالجوارح. المواطنة هي خلاصة ذلك الحراك المجتمعي (قيمة وبناء)!!! المواطنة بمعنى أعم وأدق هي المواطن الصالح بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى!!! ولهذا (فالمواطنة) ضد كل (الظواهر السلبية).. وتحقيقها أو تنميتها في نفوس الشباب لا يأتي من خلال مفردات صماء: (حب الوطن).. (اخلص لوطنك).. (احم وطنك).. هي أكبر من ذلك وفوق ذلك.. المواطنة تتحقق من خلال سلوكيات.. وهنا تبرز الأدوار التربوية بمعناها الواسع.. وتبرز معها مسؤوليات كل المؤسسات المجتمعية من بيت ومدرسة وشارع وعمل وجامعات وأندية.. وكل المؤسسات! وهذا يستوجب أن نعيد النظر في هذه الأدوار التربوية، بمعنى أن تصبح المواطنة جزءًا من تربيتنا، جزءًا من سلوكياتنا. وهنا تبرز أهمية أن تتحول المناهج إلى سلوك في المدارس، وأن تتحول القدوة إلى أنموذج في البيوت! هذا شيء.. أما الشيء الآخر فهو عملية (التمكين) بحيث نعطي الشباب فرص تقديم أنفسهم، ونمنحهم الثقة، وفي المقابل علينا أن نتخلص من النظرية النقدية السالبة والطاردة تجاه الشباب، فلا نريد أن نُسمع الشباب كلمات مثل: فاسدون.. عاطلون.. لا ينفعون!! * بقي أن أقول: شبابنا فيهم الخير.. وهم يحملون الكثير من القيم العليا تجاه دينهم ووطنهم ومليكهم.. وهذه المظاهر وهذه الاحتفالات قد تكون شيئًا مما يشعرون، وهي في الوقت ذاته تدفع باتجاه تعزيز هذه القيم وتكريس المفاهيم الوطنية ونشر ثقافة المواطنة.. فلا نصد الأبواب دونها ولا نضيق ذرعًا بتعبيرات الشباب.