لم أستغرب أبدًا عثور الثوار الليبيين على وثائق تثبت تعاون المخابرات الليبية مع وكالة المخابرات الأمريكية، إبان حقبة العقيد المختل معمر القذافي. هذه الوثائق هي دليل جديد على أن كل ما يقوله الأمريكيون عن معاداتهم للأنظمة الديكتاتورية هو مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي. الأمريكيون هم من ساند وما زال يساند أغلب الأنظمة الديكتاتورية في العالم، وما حركات الانقلاب العسكري التي قادها الأمريكيون وحلفاؤهم على حركة مصدق في إيران، وعلى سلفادور الليندي في تشيلي، إلا أمثلة قليلة من تلك التي ثبت فيها بالأدلة القاطعة، سعي الأمريكيين والغرب الرأسمالي لإجهاض أي محاولة للنهضة وأي تحول للديمقراطية في دول العالم الثالث. الأمريكيون يستخدمون الديمقراطية وحقوق الإنسان لابتزاز خصومهم من دول العالم الثالث، أو لتضليل شعبهم والشعوب الأخرى وخصوصًا في حالة إعدادهم لحروب ظالمة، كما حدث مع المنطقتين العربية والإسلامية عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). لقد استخدمت الإدارة الأمريكية في ذلك الوقت شعار (دمقرطة الشرق الأوسط) لتسويق حملتها العسكرية التي انطلقت بغرض الهيمنة المطلقة على مقدرات المنطقة. وهو ما سعت أمريكا لتحقيقه عن طريق مخططها الموسوم (الشرق الأوسط الجديد) المعد خصيصًا لتفتيت معظم البلاد العربية وتحويلها إلى دويلات طائفية متناحرة. وهو ما تحقق عمليًا ومنذ الشهور الأولى في عراق ما بعد الاحتلال، وإن كان التقسيم لم يحدث بشكل رسمي حتى هذه اللحظة. بالمقابل فإن كثيرًا من الأنظمة العربية ومن ضمنها تلك التي تدعي أنها تناصب المشروعين الصهيوني والاستعماري الأمريكي العداء (نظام القذافي خير مثال) كانت متورطة في التعاون الاستخباري مع واشنطن، انطلاقًا من قناعتها التي تفيد بأن الحصول على رضا أمريكا كفيل ببقائها في الحكم حتى قيام الساعة. ورغم أنني لست من دعاة الإفراط في التفاؤل بشأن الثورات العربية التي تحاك لها المؤامرات بمختلف أشكالها، فإن ما يحدث أثبت أن رضا الشعوب لا رضا أمريكا هو الضمانة لاستمرار أي نظام حكم، وأن مصالح الشعوب لا مصالح الأنظمة هي التي تضمن إقامة علاقات طيبة وتحالفات متينة للأمريكيين في المنطقة. لو لم تفعل الثورات على المدى القريب أكثر من ذلك، لكان ذلك كافيا.