طالما طرق سمعنا على حين غفلة من الفكر وسنة من اليقظة أمر فتنة النساء والتحذير من ذلك، بلغة وأسلوب يخال سامعه بأن شراً قد كمن في هؤلاء النسوة، وريبة قد ملئن بها، فيتبادر إلى الذهن ويتسابق إلى الفهم عند ذكر فتنة النساء، وما جاء فيها من الوحي الحكيم والشريعة السمحة تلك الصورة المرسومة سلفاً في أذهان السامعين ومخيلة المتلقين من شر وريبة! والنساء لا شك فتنة، كيف لا وقد صح الخبر في ذلك، لكن ليس بذلك التصور المشوه، ولا المزاعم الموهومة الشريرة، وإنما «فتنة» بمعنى أن يتقي الله الرجالُ فيهن، فيعرفوا حقهن وقدرهن والواجب لهن ويستوصوا بهن خيرًا، ألم تسمع أيها القارئ اللبيب قول الله تعالى: «إنما أموالكم وأولادكم فتنة» ماذا أنت قائل فيها؟ وماذا ينبغي لك تجاه ذلك؟ أناظرٌ لفتنة الأموال والأولاد على سبيل الريبة والشر؟ أم أن ذلك توجيه لأن تراعي حق الله في المال فتنفقه فيما أمر، وتسخره حيث أراد، وأن تحسن تربية الولد لكي لا يراه الله إلا حيث يحب سبحانه، وكذا النساء فاتق الله فيهن وإن لم تفعل فقد أثمت، وأصابتك الفتنة. ألم تسمع أيها اللبيب قول الله تعالى: «وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً» فكما يبتلي اللهُ بالشر فهو يبتلي بالخير، وما النساء والأموال والأولاد إلا خيرات فُتنَّا بها. ألم تسمع لقول الله تعالى على لسان رسوله موسى عليه السلام: «إنْ هِيَ إلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ»، فالفتنة هي الفتنة، من قام بما يجب عليه تجاهها نجا واهتدى، ومن تقاعس وقصّر ونكص على عقبيه ناله عاقبة ذلك، فكان عاقبة أمره خسرًا. وقد أوصى الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم بهن خير وصاية فقال: «استوصوا بالنساء خيراً». فمن عمل بهذه الوصية النبوية العظيمة العامة، فقد تجاوز الفتنة بنجاح وسلامة، ولم يلحقه في ذلك عتب ولا ملامة. إن النظرة إلى فتنة النساء بهذا المفهوم تدعو إلى النظر إليهن على أنهن أبواب خير وسرور لا بؤر شر وثبور، ومفاتيح جنان لا خيال شيطان، يَقُدْنَ إلى رضا الرحمن، ومراتع الجنان. سلطان عبدالله الرشيد - جدة