قلت بالأمس: إن مسلسل الحسن والحسين ومعاوية أساء إلى الصحابة رضوان الله عليهم، عندما حاول أن يقنع المشاهد بأن ابن سبأ استطاع أن يسيّر الأمور كما يشاء حتى في ظل إجماع كبار الصحابة على موقف واحد. وفي هذه الرؤية انتقاص من قدر الصحابة الذين كانوا هم المتبوعين لا التابعين. المشكلة أن رؤية المسلسل لا تصطدم فقط مع ما ورد في كتب التاريخ، وإنما مع ما جاء في كتب الحديث أيضًا. ويكفي للتدليل على ذلك أن نعرض فيما يلي من سطور، هذه الواقعة المكتوبة ضمن مسند الإمام أحمد بن حنبل، وهو أحد الصحاح الستة المعروفة في كتب الحديث. يقول ابن حنبل: (حدثنا عبدالله، حدثني عن أبي، حدثنا يزيد بن عبدربه، حدثنا الحارث بن عبيدة، حدثني محمد بن عبدالرحمن بن مجبّر، عن أبيه، عن جده: أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أشرف على الذين حصروه، فسلم عليهم، فلم يردوا عليه، فقال عثمان رضي الله عنه: أفي القوم طلحة؟ قال طلحة: نعم، قال: فإنا لله وإنا إليه راجعون! أسلم على قوم أنت فيهم فلا تردون؟! قال: قد رددت. قال: ما هكذا الرد، أُسمعك ولا تسمعني؟! يا طلحة، أنشدك الله، أسمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: لا يحل دم مسلم إلا لواحدة من ثلاث: أن يكفر بعد إيمانه، أو يزني بعد إحصانه، أو يقتل نفسًا فيُقتل بها؟! قال: اللهم نعم. فكبر عثمان، فقال: والله ما أنكرت الله منذ عرفته، ولا زنيت في جاهلية ولا إسلام، وقد تركته في الجاهلية تكرهًا، وفي الإسلام تعففًا، وما قتلت نفسًا يحل بها قتلي). هذه الواقعة وغيرها الكثير مما ورد في كتب الحديث الصحيحة، تدل بشكل قاطع على مدى اختلاف كبار الصحابة منذ بداية الفتنة. لمصلحة من يتم تزوير التاريخ وإظهار كبار الصحابة رضوان الله عليهم، وكأنهم ألعوبة في يد ابن سبأ وسواه؟!