الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن المهيدب، من الدعاة المتخصصين في بلدان أوروبا الشرقية، عاش الحرب في البوسنة من أولها، وكان على رأس إحدى الهيئات الإغاثية هناك وشاهد ويلات الحرب، وعاصر مأساة كوسوفا، وطرد شعب مسلم بأكمله من الإقليم، وتجول في ألبانيا وتعرف على علمائها ومشايخها بعد سقوط النظام الشيوعي، وساهم في دعم وإغاثة مسلمي مقدونيا، وتحتفظ ذاكرته بالعديد من القصص من خلال الجولات الدعوية التي قام بها في دول أوروبا الشرقية، ويقول: لن أنسى مرابطة أهل البوسنة على أرضهم، وويلات الحرب والمذابح التي ارتكبها الصرب ضد النساء والأطفال، ويضيف لن أنسى ما حييت مشاهد جثث المسلمين في مجزرة سربنتشا، ولا مشاهد النساء المسلمات الهاربات من جحيم الإبادة في كوسوفا تجاه ألبانيا، ويقول: كنا نعمل في الإغاثة السعودية، وكانت قلوبنا تتقطع ونحن نشاهد هذه المآسي. وأضاف الشيخ المهيدب أن الدور الذي قامت به المملكة في البوسنة وكوسوفا من دعم وإغاثة لا يمكن أن ينساه، وأذكر أنني كلما ذهبت إلى هذين البلدين وبمجرد أن يعرف الناس أنني سعودي إذا هم يهللون ويكبرون «مكة..مكة..سعودي ما شاء الله» ومن القصص المؤثرة غير قصص الحرب الدامية، يقول المهيدب: كنت في زيارة لأحد الأئمة في ألبانيا، وكان بعد سقوط النظام الشيوعي بقليل، وأثناء حديثي مع الإمام في بيته، دخلت علينا ابنته وهي محامية وكانت سافرة، وعندما علمت أننا من السعودية إذا بها تتساءل «لم تفتكرونا سوى الآن..لقد رأينا العذاب بسبب ديننا»، وطلبت منا أن نخرج معها في اكبر ميادين ألبانيا نعرف الناس بالإسلام، فكنا نتحدث وهي تترجم، ومن الله عليها بالهداية والالتزام، وهذا يجعلنا لا نستهين بأي احد ولا نحكم على الناس بالمظاهر والأشكال، وقد كانت هذه الطريقة في الدعوة فاتحة خير لنا. ولا ينس الشيخ المهيدب تعرضه للسرقة في بلغاريا، فيقول: كنا في جولة دعوية في بلغاريا، واستأجرنا سيارة مجهزة، ومحكمة الإقفال وبها جهاز إنذار إذا حاول أحد سرقتها، وذهبنا إلى زيارة أحد الأئمة وتركنا حقائبنا في السيارة، وعندما عدنا وجدنا اللصوص سطوا عليها وبها جوازات سفرنا ونقودنا وكل شيء وكانت أيام صعبة علينا جدًا، من يومها لا أترك جواز سفري في أي سيارة مهما كانت. أما من المواقف الصعبة فيقول الشيخ المهيدب كنت في جولة دعوية في المجر، وكان هناك أحد المجريين من أصول عربية، وكنا نأمل فيه كثيرًا للقيام بأعمال الدعوة، فمكثت معه في الفندق نتحدث عن كيفية العمل، وعندما حان وقت السفر كانت الكثير من علامات الاستفهام حول الرجل المجري ولماذا سكنت معه في الفندق. ويعود الشيخ المهيدب بالذاكرة إلى ألبانيا مرة أخرى ويقول: كانت أول زيارة لي بعد سقوط الشيوعية، وبحثت عن مسجد لأداء الصلاة، وبصعوبة وجدنا مسجدًا قديمًا، وكنت ارتدي الزي السعودي، وعندما خرجت من المسجد التف بعض الشباب حولي وقالوا: «أمريكان..أمريكان» لم يكن يعرفون أي شيء وعندما قلت لهم: «سعودي..مكة» إذا بهم يصيحون «مكة..مكة..مسلمان». ويتذكر الشيخ المهيدب انه كان مشرفًا على حجاج مسلمي أوروبا الشرقية، وأثناء أداء المناسك إذا بأحدهم ينخرط في البكاء بشكل هستيري، وعندما اقتربت منه وسألته لماذا يبكي بهذا الشكل، هل قصرنا في حقه؟ أم حدث له مكروه؟ إذا به يقول لي: هل سيغفر الله لي وأنني بيدي شاركت في قتل العلماء وأئمة المساجد، وأشرفت بنفسي في تعليقهم على أعمدة الإنارة على الطرقات؛ ليكونوا عبرة لغيرهم ممن يريدون أداء شعائر الإسلام، فأخذت أذكره بالتوبة وأن يسأل الله أن يعفو عنه، وأن يكفر عن ذنوبه.