قال المفكر الإسلامي والأستاذ بجامعة طيبة سابقاً الدكتور صابر بن عبدالرحمن طعيمة: إن على الأمة الإسلامية استغلال الإمساك عن الطعام والشراب والشهوات في رمضان للإمساك عن تأجيج الفتن والتطبيل لها، منبهاً إلى خطورة ما يقع في بلدان عربية من ثورات تسميها بعض وسائل الإعلام «الربيع العربي». وتمسّك الدكتور طعيمة بأن الدعوة إلى توحيد الفرق والطوائف الإسلامية بما فيها من فرق ضالة ومبتدعة هي دعوة «حشاشين»، كما شنّ هجوماً على الدعوات المنادية بوحدة الأديان السماوية وأنها كلها توصل إلى الله، مؤكداً أن قبول أصحاب تلك الأديان على ما هم عليه وترك حرية المعتقد والعبادة لهم شيء، والاندماج معهم والتسليم بعقائدهم شيء آخر. »المدينة» حاورت الدكتور صابر حول الاستفادة من رمضان في تصحيح أوضاع الأمة وقضايا أخرى، فإلى الحوار: ** يأتي رمضان هذا العام والأمة الإسلامية تعيش فتناً متلاطمة وتمرّ بمحن عصيبة، كيف يمكن لرمضان أن يوحّد الأمة؟ - نعم، يأتي رمضان هذا العام وأمّتنا من أقصاها إلى أقصاها تعيش فتناً متلاحقة يسميها بعض الإعلاميين الربيع العربي أو تسونامي عربي، وهم بذلك يشرّعون ويحبّذون فكر هذه الفتن، ودواعيها ومقتضياتها، مع أن هذه الفتن جرت على الأمة في البلاد التي جرت فيها من خسائر الأموال والأنفس ما لم تكن لتخسره لو حاربت قوى العالم المعادية كلها. ورمضان شهر عبادة وسكينة وتبتّل ولا يستقيم مع متابعة الفتن وملاحقتها سواء بالتأييد أو بالرفض، الأمر الذي يحيّر المسلم فيما يجري، فما يجري لم يحدث في تاريخ الإنسانية من قبل ناهيك عن أمة جعل التوحيد منها أمة واحدة ذات توجّه واحد وقبلة واحدة بل وإمام واحد، فالأمر يحتاج إلى تدبّر لأن شهر العبادة والصوم والتبتل لا يستقيم مع هذه الفتن، هل يرجع المسلمون المتقاتلون الثائرون والغاضبون والمظلمون والمضطهدون هل يرجعون إلى ربهم ويجعلون من رمضان وقفة محارب؟ أم كأنه لا يمرّ بهم شهر العبادة؟ هذا ما يحار معه المرء!!. ** كلّ ما دخل رمضان.. نسمع كلاماً كثيراً عن الاستفادة منه في التغيير، هل ملّ الناس هذا الأسلوب؟ وكيف يمكن أن نجذب الناس فعلاً إلى الانتفاع برمضان؟ - لو حاول المسلمون أن يجعلوا من إمساكهم عن الطعام والشهوات في شهر رمضان وعن الأذى وعن النظر الحرام والكلام الحرام فرصة ولو اغتنموا هذا الشهر سلوكاً وقيمَ عمل لكان للشهر أثره العظيم، فإذا كنت تخاف من ربك وأنت في خلوتك أن تشرب كأس ماء لأنك تكون بذلك قد خرقت الصيام فما بالك بانتهاك أي نوع من المحرمات في رمضان أو غيره؟ ولو استفدت من هذه الشعيرة وحدها للصوم عن الفتن وعن تأجيجها وعن الطبل والزمر الذي يروج له بعض الغوغائيين وراء ما يحدث في بلاد المسلمين من دماء يشاهدها الغرب والشرق وهو أشبه بالشامت. هل توجد أمة من الأمم في وقتنا المعاصر يجري فيها ما يجري في بلادنا؟ إحدى القنوات الدينية اتصلت بي تسألني ما رأيك هل تزكي هذه الثورات أم تعارضها فقلت لهم وعلى الهواء: دور علماء أهل السنة والجماعة الحكمة والموعظة والإمساك عن الفتن والنصح للمتقاتلين والأصل نصرة الظالم بمنعه عن ظلمه ونصرة المظلوم بالأخذ بيده، وما يحدث يجعل المرء يحتار ولا يستطيع أن يدلي برأي لأن هذا الذي يجري خارج عن إطار الشرعية والدين ولزوم الجماعة، أنت لا تدري الآن هذه الشعوب المتقاتلة كل فريق مع من؟ مع الشيطان حيث لا يوجد لهم إمام ولا حاكم، فالأمر مُقلق ومخيف وإذا استمرت الأمة في هذا الهوان فإن هذه هي المخاطر الحقيقية المحدقة بالأمة. ** هناك دعوات تظهر بين الحين والآخر لتوحيد المسلمين على اختلاف فرقهم ومذاهبهم بما فيها من فرق مبتدعة.. ما رأيكم في هذه الدعوات؟ - هذه دعوات «حشّاشين»، لأن من يدعو إلى وحدة الأمة بين الملتزمين بالكتاب والسنة وبين المؤولة والمعطلة فهو يدعو إلى أمر في غاية الخطورة، فأنا كيف يستقيم حالي وديني مع أهل البدعة وأهل الحلول والاتحاد أو أولئك الذين يقولون بعصمة البشر أو بولايتهم على الناس بغير محاسبة ولا رجوع إلى حكم، كيف يستقيم حال الملتزم بالكتاب والسنة مع المؤول والمعطل والمبتدع، ومن يخاف القبر ويدعو المقبور أن يفكّ كربه ويحمي ظهره كيف يستقيم معه أمر المسلم الذي يجب أن يكون مستعداً للدفاع عن الأمة؟ هذه دعوة باطل ومنكر، ولا تستقيم في ديننا. ** هناك أيضاً دعوات إلى قبول كافة الأديان السماوية وأنها كلها توصل إلى الله؟ - هذه الدعوة تنطوي على مغالطة خطيرة، فقبول الآخر شيء وامتزاجي بالآخر شيء آخر، قبول الآخر بما هو عليه وبما اختاره وبما ورثه شيء، ووحدتي معه في المعتقد وفيما يذهب إليه شيء مغاير تماماً، عندنا قاعدة جميلة جدا في هذه النقطة، فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما جاءه وفد نصارى نجران وطلب إليهم الإيمان به فأبوا، وطلب إليهم الحوار معه فأبوا، وطلب إليهم المباهلة وهي أن يدعو عليهم ويدعو عليه فأبوا، فكتب لهم كتاباً عندما همّوا بالمغادرة إلى عامله وواليه على نجران يأمره بالإحسان إليهم، المفروض أن الذين وقع منهم هذا الموقع المتعنّت يعاقبون، فهو يطعمهم ويسقيهم ويحمل دوابهم من الطعام والشراب وأصحابه يقومون على خدمتهم وتكون النتيجة أن يعاندوا ويرفضوا الإسلام، لكنه صلى الله عليه وسلم كتب لعامله على نجران إذا قدم عليك وفد نجران فأكرم وفادتهم، إلا إنه لا تُهدم كنائسهم ولا يمنعون دق نواقيسهم ولا تكسر صلبانهم ولهم ذمة الله وذمة رسوله ما لم يأكلوا الربا، لأن الربا يمسّ رمز وسيادة وسلطان الدولة وهم مواطنون في هذه الدولة أما حرية المعتقد فتركها لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر عامله بتركهم. وإذا جاءني نصراني يؤمن بما يؤمن به النصارى من عقيدة في الرب فأنا لا أوبخه ولا أسخّف عقيدته، لكن أقول له أنا أختلف معك في هذه العقيدة لأني أؤمن بإله واحد، وإذا كنت مصرًّا على أن عبادتك تتمثل في ثلاثة أرباب فلا أوبخك ولا أسخفك، لكن ديني يخالف دينك، وكذلك الحال مع اليهود. لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وجد أمامه اليهود والنصارى والمشركين ومع ذلك عاش معهم وكتب ميثاقاً بينه وبينهم في الاشتراك في الدفاع عن المدينة، وقال: لليهود ربعتهم أي هيئتهم، وللنصارى كذلك.. فالإسلام دين واسع يسع الدنيا كلها ولا يحجر على معتقد لكنه لا يقبل الامتزاج مع المعتقدات الأخرى. فالدعوة لوحدة الأديان اليهودية والنصرانية والإسلام هذه «خرابيط سكارى»، لأنه لا يمكن المزج بين المتناقضات لأن هذه عقائد مختلفة ومتباينة. والسلوك الإسلامي هنا هو السلوك العقلاني المضيء الذي لا يسخر من أحد ولا يستخف بأحد، فعندما ترى بعينيك أناساً يصلون في الكنيسة فإنك لا تسخر منهم، لأن الصحابة رضي الله عنهم عايشوهم ولم يحدث منهم ذلك، وأبو بكر عندما أوصى أسامة بن زيد وهو على وشك الانطلاق بجيشه أوصاه ألا يتعرض للرهبان الذين فرغوا أنفسهم في الصوامع، وهذا هو منهج السلوك، فالدعوة لوحدة الأديان مريبة وتنطوي على أخطاء فكرية وعقدية ومنهجية ولا يرضى بها النصارى ولا اليهود فكيف أرضى بها أنا، وأضرب مثلاً، لما أباح الله نكاح الكتابية كما في قوله تعالى: «والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب» فالإسلام يفترض في الكتابية والمسلمة أنها شريفة وعفيفة وتحل للمسلم، الكنيسة لا تقبل ذلك أبداً، ولا تقبل حكم القرآن في إباحة زواج المسلم من الكتابية. ** ألا ترون أن الدراسات الإسلامية لم تعدْ تقوم بدورها في الرد على الهجمات التي تواجه الإسلام بتحليل الشبهات، بل يُكتفى أحياناً بخطب ومواعظ وردود شفهية؟ - هناك محاولات وجهود وهي على قلتها إلا أنها منظمة، لكن المطلوب أن تكثر هذه الجهود، فلا يكتفى بالصوت العالي في خطب الجمعة أو إلقاء محاضرة في حارة أو جمعية، بل المطلوب تنظيم الجهود وتكثيف العمل الجمعي الذي يصد هذه الهجمات عن الإسلام والمسلمين وأن يكون الهدف مخاطبة المسلم لتحصينه ومخاطبة المعادي لرد عدوانه بلغته، ولو فعلنا هذا نكون قد حققنا شيئاً عظيماً.